Connect with us

اقتصاد

الزراعة بالدولار والمحصول بالليرة

Published

on

لا شكّ أن أكلاف الإنتاج في القطاع الزراعي ازدادت، إلا أن الأمر لا ينحصر بأكلاف الأسمدة والمازوت المستعمل في جرّ المياه والريّ، إذ تبدو هذه الكلفة مجرّد حلقة من حلقات الإنتاج التي تؤثّر سلباً على القطاع منذ عقود. لذا، فإن محاولة ربط التصحيح في القطاع، بحلقة واحدة من حلقات الإنتاج، لا تبدو مجديةً في نظر الخبراء، بل إن الأمر يحتاج إلى مقاربة مختلفة للقطاع أكثر عمقاً ولا تتأثّر بالعقل الترويجي.

في أكثر من مناسبة، أشار وزير الزراعة في حكومة تصريف الأعمال، عباس الحاج حسن، إلى أن الاعتماد أكثر على الإنتاج المحلّي وتخفيف وطأة الأزمة عن المزارع يتطلّبان خفض أكلاف الإنتاج، لكن ارتفاعها ليس عاملاً مساعداً. ويمكن الاستدلال على الكلام نفسه في مؤشر البنك الدولي للأسمدة، إذ ورد أن ارتفاع أسعار الأسمدة عالمياً في 2022 بنسبة 15% سيرفع من كلفة الإنتاج الزراعي.

بالأرقام 263 مشروعاً

نفّذتها وزارة الزراعة منذ 1992 لغاية اليوم بقيمة إجمالية بلغت 285 مليون دولار و507 ملايين يورو و167 مليار ليرة، أي ما يزيد على 900 مليون دولار، لكنها لم تنتج أيّ تحسّن في القطاع الزراعي

10% أو أكثر يمكن إضافتها إلى حصّة الناتج الزراعي البالغة 4% من الناتج الوطني لأن مصدرها مرتبط بالزراعة مباشرة

1.6 مليار دولار

هو مجموع ما حصلت عليه الحكومة اللبنانية من تمويل خارجي مقدّم للزراعة في لبنان منذ 1962 لغاية اليوم بحسب رئيس جمعية المزارعين اللبنانيين أنطوان الحويك

رغم أن هذه حقائق واضحة للعيان، إلا أن ترتيبها لدى الخبراء مختلف بالدرجة والأولويّة، بل يرون أن التركيز على ارتفاع الأكلاف قد يهدف إلى الهروب إلى الأمام، ويعتقدون أنه يتم استخدام ارتفاع أسعار المنتجات الزراعية كشمّاعة لهذه الأكلاف، رغم أن الأمر مرتبط بانهيار قيمة الليرة، إذ يشير رئيس المركز اللبناني للبحوث والدراسات الزراعية الدكتور رياض سعادة إلى أنه منذ عقود، وتحديداً منذ عام 1966، لم تمرّ سنة ذهبية واحدة على القطاع الزراعي. في هذه العقود، أقرّ الكثير من الخطط، لكن لم ينفّذ أيٌّ منها بمعزل عن مدى جديّتها والقدرة على تنفيذها. مشكلة القطاع لا تكمن في «ليتر مازوت إضافي، أو زيادة في سعر السماد، بل إن هناك واقعاً مثقلاً بعقليات حكومية لا ترغب في دعم القطاع، وهذا أهمّ من الأكلاف المذكورة» وفق سعادة.
المقصود، أن الخروج من تفاصيل القطاع لمعاينة السياسات الزراعية في إطار الأزمة، هو الأمر الأساسي. فالمزارع لم يتلقّ ضربة زيادة الأكلاف فقط، بل جاءت هذه الضربة فوق إهمال مزمن صارت الحاجة إلى تصحيحه أكبر بعد الانهيار النقدي والمصرفي. فمنذ عام 1975، يتراجع الناتج الزراعي بشكل متواصل، حتى أصبح في عام 2021 نصف ما كان عليه في عام 1976، وثلث ما كان عليه في ذروته في عام 1986. الإهمال المزمن يعني أنه بات على المزارع أن يعاني من ارتباطه المجحف بحلقات إنتاج ترتّب أعباء فوق الأعباء الأساسية عليه. وعندما انفجرت الأزمة، بات عليه أن يدفع ثمن كل هذه الأكلاف بالدولار النقدي وسط غياب أي مساعدة رسمية، في المقابل، يجني محصوله بالليرة. هذا اللاتوازن انعكس سلباً على المزارع. ففي حسابات بسيطة، يتبيّن أن تسعير الأكلاف بالدولار ينتج خسائر في مواسم الإنتاج، يضاف إليها ارتفاع كلفة اليد العاملة التي تصحّحت لتصبح موازية لما كانت عليه سابقاً بنسبة تفوق 80%. هذا هو سبب انخفاض الإنتاج بين عامَي 2019 و2023 بنسبة 60% وفق الأرقام التي يقدّمها سعادة، إذ يشير إلى أن كلفة الإنتاج مقارنة بالسنوات السابقة، قد تكون هي نفسها إذ حُسبت بالدولار، لكن قوّة الفرد الشرائية بالليرة هي العمق الفعلي لأزمة القطاع، أي القدرة على الاستهلاك.
سلسلة الزراعة لا تقتصر على مسائل بديهية مثل الماء والريّ والكهرباء، بل هي تتألف بحسب دراسة سعادة، من ثلاثية الإنتاج، الوسطاء ومقدمي الخدمات وسوق الاستهلاك. أما بشكل عام، فإن الأمر يبدأ مع المزارع، وينتقل إلى ضمان الأرض، ونقل الإنتاج ثم توضيبه وتبريده، ثم نقله إلى سوق الخضر أو للتصدير، وأخيراً المستهلك. ترتبط بهذه السلسلة الزراعية مسائل أساسية عنوانها الكلفة والتوافر؛ مثل الأرض، التمويل، اليد العاملة، مياه الري، المواد، النقل. في إطار هذه السلسلة، فإنه في أوّلها يتكبّد المزارع الخسائر، وفي آخرها يتكبّد المستهلك الخسائر أيضاً. لذا، لا يمكن الحديث عن تصحيح في عنصر واحد أو اثنين في هذه السلسلة، إذ سيكون الأمر بمثابة هدر للموارد. فلنأخذ مثلاً، التسليف المصرفي الذي كان يساوي نحو 200 مليون دولار في عام 2019، لكن الأزمة أوقفته وحرمت القطاع منه، وبالتالي بات يترتّب على العاملين في إطار هذه السلسلة تأمين التمويل بكلفة أعلى أو بسيولة ذاتية. ويضيف سعادة، صحيح أن الأكلاف الأكثر ضرراً على المزارع تتعلق بالتمويل، لكن جهله في إدارة عمله يفقده القدرة على الحساب الحقيقي للإنتاج، وبالتالي يدخل في دوامة من الأضرار تبدأ باستعمال مستلزمات غير صحيحة وتخلص إلى إنتاج محدود. المسألة هنا، لا تتعلق بارتفاع كلفة الأسمدة وسائر مدخلات الإنتاج مثل البذور، إنما فوضى الاستعمال ولا سيما الأسمدة المهرّبة التي لا يمكن الوثوق بها، ستؤدي إلى كمية إنتاج محدودة.

قوّة الفرد الشرائيّة بالليرة هي العمق الفعلي لأزمة القطاع الزراعي

إذاً، لا يمكن مقاربة القطاع الزراعي من منظور بضعة عناصر في أكلاف الإنتاج، إنما يجب أن تكون المقاربة شاملة حتى تصبح مجدية. وهناك دليل واضح على ذلك، يتعلق بالأموال التي أنفقت على القطاع من خلال الهبات، إنما لم تظهر نتائجها في الناتج الزراعي الوطني. يروي سعادة أن دولة الإعمار لم تبدِ أي اهتمام بالزراعة إلى حدّ التجاهل التام، وأن الأموال التي تدفقت على وزارة الزراعة قاربت مليار دولار، لكن لم يظهر أي أثر لها في الناتج الزراعي الذي بقي منذ التسعينيات لغاية 2021 بعيداً جداً عما كان عليه في منتصف الثمانينيات.

250 ألف طن منتجات رزاعية مهدورة
عندما أوقفت دول الخليج، بقيادة السعودية، استقبال الصادرات اللبنانية، ازداد العبء على المزارع اللبناني الذي بات أمام خيارين، بحسب رئيس جمعية المزارعين اللبنانيين أنطوان الحويك: زيادة أسعار المنتجات، خفض المساحة المزروعة لضمان عدم الكساد. لم يكن أمامه مفرّ لأنه اختبر كساد المحاصيل سابقاً وأدرك أن تراجع الربحية أمر حتمي في أوقات الأزمات كهذه. يقول الحويك إن لبنان كان يصدّر 550 ألف طن من المنتجات الزراعية إلى الخليج ودول أخرى حتى عام 2011، لكن انخفضت هذه الكميات بعد حدوث الأزمة في سوريا إلى 350 ألف طن، ثم بعد توقف السعودية عن استيراد المنتجات اللبنانية انخفضت الكمية إلى 300 ألف طن، أي أن نحو 250 ألف طن ألغيت من قاموس الإنتاج المحلي، وحتى لو أعادت السعودية الاستيراد، فإن 50 ألف طن لا تكفي لإعادة الكميات والنشاط إلى ما كان عليه.

Continue Reading
Click to comment

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقتصاد

تثبيت سعر الفائدة على القروض الأولية في الصين

Published

on

قرر البنك المركزي الصيني اليوم الاثنين تثبيت أسعار الفائدة القياسية المرتبطة بالسوق عند نفس مستوى الشهر السابق.

وأعلن المركز الوطني لتمويل “الإنتربنك”، وهي منصة إلكترونية رئيسية للسوق المالية في الصين تابعة لبنك الشعب الصيني، استمرار سعر الفائدة الأولية للقروض ذات العام الواحد عند مستوى 3% وسعر الفائدة على القروض ذات الخمس سنوات والذي تستخدمه الكثير من البنوك كأساس لتحديد فائدة التمويل العقاري عند مستوى 3.5%.

وتعكس أسعار الفائدة الأولية مستويات تكلفة التمويل بالنسبة للأسر والشركات، حيث يعني استمرار الفائدة المنخفضة تقليل الأعباء المالية على المقترضين ودعما أقوى للنشاط الاقتصادي.

ورغم تثبيت أسعار الفائدة على القروض الأولية منذ يونيو الماضي، فإن أسعار الفائدة على القروض الجديدة مازالت تتأرجح عند مستويات منخفضة.

وتظهر أحدث البيانات أن متوسط سعر الفائدة المرجح للقروض الجديدة للشركات في الصين استقر عند حوالي 3.1%، بانخفاض قدره 30 نقطة أساس عن الفترة نفسها من العام الماضي، بينما سجل سعر الفائدة على القروض العقارية الشخصية الجديدة عند حوالي 3.1%، بانخفاض قدره 3 نقاط أساس عن العام الماضي.

وكان مؤتمر العمل الاقتصادي المركزي الصيني قد أكد في وقت سابق من الشهر الحالي أن الصين ستحافظ على سياسة مالية أكثر استباقية وسياسة نقدية مرنة بشكل معتدل خلال العام المقبل.

Continue Reading

اقتصاد

البيت الأبيض يكشف عن الأموال التي حصلتها الولايات المتحدة من الرسوم الجمركية

Published

on

أعلن البيت الأبيض أن الخزانة الأمريكية حصّلت 235 مليار دولار من الرسوم الجمركية منذ بداية العام الجاري.

وجاء هذا الإعلان من البيت الأبيض خلال بث مباشر بمناسبة عيد الميلاد على قناته الرسمية في “يوتيوب”، حيث عرضت قائمة بـ”انتصارات ماجا 2025” بشكل متكرر مع موسيقى “لو-فاي” في الخلفية.

وتعد قيمة إيرادات الجمارك المعلنة في البث المباشر أعلى قليلا من المبلغ الذي ذكرته إدارة ترامب سابقا.

وكانت هيئة الجمارك وحماية الحدود الأمريكية قد أفادت الأسبوع الماضي بأن إيرادات الجمارك التي تم تحصيلها بين تنصيب ترامب في 20 يناير الماضي و15 ديسمبر الجاري بلغت ما يزيد قليلا عن 200 مليار دولار.

ومع ذلك، يظل المجموع أقل من التوقعات، حيث كان وزير الخزانة الأمريكي سكوت بيسنت قد توقع في يوليو الماضي الوصول إلى 300 مليار دولار بحلول نهاية العام.

وتقوم المحكمة العليا الأمريكية حاليا بمراجعة قانونية الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب.

وبعد توليه منصبه، فرض ترامب رسوما جمركية على السلع من دول متعددة، متذرعا بمخاوف تتعلق بالمخدرات مثل الفنتانيل، والهجرة غير الشرعية، والعجز التجاري.

ولم يتضح بعد موعد صدور قرار المحكمة العليا، وإذا حكمت ضد ترامب، فقد يضع ذلك الاتفاقيات التجارية القائمة موضع تساؤل.

Continue Reading

اقتصاد

الصين توجه صفعة قوية للاتحاد الأوروبي

Published

on

أعلنت وزارة التجارة الصينية اليوم الاثنين اعتزامها فرض رسوم إغراق أولية تصل إلى 42.7% على وارداتها من بعض منتجات الألبان من الاتحاد الأوروبي.

ومن المقرر أن تدخل الرسوم الجديدة حيز التطبيق اعتبارا من يوم غد الثلاثاء (23 ديسمبر 2025).

وكانت الصين قد بدأت تحقيقا بشأن احتمال وجود إغراق من منتجات الألبان الأوروبية، في أعقاب تحقيقات في واردات لحم الخنزير وردا على الرسوم الجمركية التي فرضها الاتحاد الأوروبي على السيارات الكهربائية الصينية.

وستؤثر الرسوم الصينية الجديدة بشكل أساسي على دول مثل إسبانيا وفرنسا وهولندا.

Continue Reading

exclusive

arArabic