Connect with us

مصارف

“صيرفة” لدعم البنوك والتّجار والمستوردين والشركات والمتموّلين… مع فتات لموظفي القطاع العام

Published

on

نشر موقع البديل (الترناتيف) تقريراً عن “صيرفة” أكّد فيه أن منصّة صيرفة الإلكترونية تشكّل الوسيلة الأساسية التي يتدخل بها مصرف لبنان، في سوق العملات في البلاد، إذ عندما تنهار قيمة الليرة فإن صيرفة هي الطريقة التي ينقضّ بها مصرف لبنان لإنقاذ الموقف، ويضخّ بالسوق الدولار الأميركي لتثبيت سعر الصرف و”إنقاذ الشعب من المزيد من التضخم والمصاعب”. تلك هي الرواية التي يسردها البنك المركزي ويسعى الى أن نصدّقها وقد يكون من الصعب إثبات عدم صوابها وكشف حقيقتها في ظل الغموض الذي يعمل المركزي تحت غطائه حول كيفية استخدام منصة صيرفة، إلا أن المؤشرات المتاحة تشير إلى قصة مختلفة. فمنذ بداية عام 2022، أعلن مصرف لبنان عن عدة إعلانات تدخّلات في سوق العملات باستخدام صيرفة، كانت لها تأثيرات محدودة على سعر الصرف باستثناء آخرها في آذار 2023. وفي الواقع، يبدو أن أكبر وظيفة لصيرفة هي دعم البنوك والمستوردين والشركات والأثرياء، من خلال بيعهم الدولار بفرق كبير مقارنة بسعر الصرف في السوق الموازية ثم السماح لهم بجني الأرباح من المراجحة (arbitrage) ويبدو أن هذا الأمر يشكل حال معظم الأموال المتداولة على المنصّة. وجاء في التقرير أيضاً ما يلي:

التقرير: كيف يُغرق الليرة ثم يثبتها؟

مع انهيار قيمة الليرة منذ العام 2019 وما نتج عنه من انهيار الرواتب، حصل تفكك في شبكات المحسوبية التي كانت النخبة السياسية تحافظ عليها من خلال القطاع العام. وبينما يسمح مصرف لبنان لموظفي الخدمة المدنية بسحب رواتبهم بالدولار وفق سعر صيرفة، فهو يظهر أيضاً بدور الداعم لهؤلاء العمال الموظفين؛ إلّا أنه وفي حين أن المبالغ المتداولة لهذا الغرض على المنصّة هي جزئية بالنسبة إلى حجم الصفقات المالية الواسعة النطاق، إلّا أنها توفّر درجة ما من الراحة لموظفي الخدمة العامة، وقد تكون ساهمت في الحؤول دون اضطرابات أكبر من تلك التي تشهدها البلاد فعلياً، الأمر الذي يساعد النخب السياسية على الحفاظ على بعض شعبيتها بين دوائرها الانتخابية.

خلال شهري نيسان وأيار، استقرّ السعر الموازي لصرف الدولار مقابل الليرة بين 97,000 و94,000، ويشير ذلك ظاهرياً، الى أنها خطوة ناجحة من قبل مصرف لبنان للسيطرة على الليرة المتقلّبة. وجاءت هذه الفترة من الهدوء النسبي بعد أن أعلن البنك المركزي أنه سيبدأ بيع كمية غير محدودة من الدولارات لدعم الليرة بعد انخفاض حاد في قيمتها في آذار عندما وصل سعر صرف الدولار الى 141 ألف ليرة. عندها، ضخّ البنك المركزي باعتماد الطريقة ذاتها، الدولارات في الاقتصاد اللبناني، على الرغم من أن تدخّلاته السابقة في هذا السياق قد شهدت نجاحاً أقلّ نسبياً مقارنة مع أحدثها. وبالتالي، ينبغي اعتبار صيرفة “أداة نقدية ضعيفة وغير فعّالة”، كما أشار البنك الدولي في تقرير صدر مؤخراً، مع وجود ارتباط عام منخفض بين تدخّلات المركزي وسعر الصرف.

نسبة الأرباح للمحظوظين بمتوسط 21%

أنشأ البنك المركزي منصة الدفع الإلكتروني، صيرفة، داخلياً في العام 2020 ووسّع نطاقها بين شهري أيار وآب 2021، وألزم البنوك التجارية بإجراء معاملاتها بالعملات الأجنبية حصرياً على صيرفة. كما تم منح كبار الصرافين والمستوردين وغيرهم من العملاء ذوي الثروات العالية إمكانية الوصول الى المنصة وكذلك موظفي القطاع العام. وعلى الرغم من ذلك، لا تزال هوية الكيانات والأفراد الذين لديهم إمكانية الولوج الى المنصّة غير واضحة بسبب الغموض الذي يغلف به مصرف لبنان عمليات الصيرفة. وكان من بين أهداف تأسيس صيرفة، حصر تداول العملات على منصة رسمية واحدة وتنظيم السوق حيث كانت المضاربة والتلاعب المتفشيان فيه يحدثان تقلّبات حادة في أسعار الصرف. وأغرى المركزي اللاعبين التجاريين بالمشاركة في المنصة بأن عمد الى تحديد مستمرّ لسعر الصرف على صيرفة بفرق كبير مقارنة بالسوق الموازية ومبالغاً في قيمة الليرة، ليجعل المنصة السوق المفضلة لشراء الدولار الأميركي الرخيص، بمعدل خصم 21% في المتوسط تاريخياً. هذا التبادل التفضيلي يثني أي طرف، بخلاف مصرف لبنان، عن بيع الدولار على المنصة، وبالتالي كما يخلص البنك الدولي، يمكننا أن نفترض أن البنك المركزي هو البائع الوحيد للعملة الأجنبية على صيرفة.

طبع الليرة ثم إستخدامها للمضاربة

ومع ذلك، التزم مصرف لبنان الصمت بشأن مصدر حصوله على الدولارات التي يعرضها للبيع والتي يعتقد أنها مزيج من الدولارات التي اشتراها من السوق الموازية، واحتياطاته من النقد الأجنبي، مع حصة الأسد من الكوكتيل تأتي من الأولى. وللمثال على ذلك، آخر تدخّل للبنك المركزي وهو السادس منذ بداية العام 2022، الذي بدأه في 21 آذار 2023. وفي نيسان، بلغ إجمالي حجم الدولارات المتداولة عبر صيرفة 1.22 مليار دولار أميركي لكن في موازاة ذلك، انخفضت احتياطيات المركزي من النقد الأجنبي بمقدار 127 مليون دولار فقط، ما يطرح السؤال حول مصدر الـ1.09 مليار دولار الأخرى؟ فالليرة قد انهارت قبل تدخّل مصرف لبنان مباشرة، ويشير البنك الدولي إلى أن البنك المركزي نفسه هو المحرّك للسوق، حيث يستخدم الليرة التي يطبعها لشراء كميات ضخمة من الدولارات من السوق الموازية، وبالتالي خفض سعر صرف الليرة مؤقتاً. ويمكن ملاحظة ذلك في حجم الليرة المتداولة الذي ارتفع من 67 تريليون ليرة إلى 83 تريليوناً بين 15 كانون الأول و28 شباط، بزيادة قدرها 24 في المئة في ستة أسابيع فقط. وشهد تدخل المركزي الأخير عبر صيرفة، على بيع الدولارات مقابل الليرة بخسارة، لإعادة امتصاص العملة المحلية المطبوعة الزائدة من السوق ودفع الكتلة النقدية المتداولة بالليرة إلى الانخفاض بسرعة مرة أخرى إلى 67 تريليوناً بحلول نيسان. ووصف مسؤول كبير في أحد أكبر المصارف التجارية في لبنان، متحدثاً الى ALTERNATIVE (البديل) شرط عدم الكشف عن هويته، أنها ديناميكية يستخدم فيها مصرف لبنان في الواقع احتياطاته من النقد الأجنبي لتغطية الفرق بين سعر السوق السوداء وسعر بيع الدولار على منصة صيرفة.

إن هذه الدورة، التي يقوم بها مصرف لبنان بأن يشتري الدولارات من السوق ويبيعها بخسارة على صيرفة، غير مستدامة بطبيعتها. وتمثل صيرفة الوسيلة التي يحاول عبرها البنك المركزي والحكومة شراء الوقت ولكن بأموال الجميع، بينما يفشلون في معالجة القضايا النظامية الخطيرة التي أدّت إلى الأزمة المالية وزيادة إفقار الناس. إن منصة صيرفة ليست أداة غير فعّالة للسياسة النقدية فحسب، بل هي عملية نقل منسّقة أخرى للثروة من الخزانة العامة إلى النخبة، بينما تعمل أيضاً على الحفاظ على السلطة السائدة في البلد.

حصة الموظفين تكاد لا تذكر

وفقاً للبنك الدولي، حقّقت “صيرفة” منذ إنشائها أكثر من 2.5 مليار دولار من المراجحة (arbitrage) لأولئك المسموح لهم باستخدام المنصة، البنوك والمستوردين والشركات الكبرى، من بين آخرين. وهذا لا يشمل المبلغ الذي استفاد منه موظفو الخدمة المدنية من خلال تمكينهم من سحب رواتبهم بالدولار بسعر صيرفة. ويصعب تحديد مقدار استفادة موظفي الخدمة المدنية بالضبط، بالنظر إلى أن مختلف فروع الحكومة، والمستويات المختلفة من الموظفين داخل تلك الفروع، قادرة على سحب رواتبها بأسعار صرف مختلفة من صيرفة. ومع ذلك، وبالنظر إلى الأرقام التراكمية، فمن الواضح أن المبلغ الذي يمكن أن يستفيد منه موظفو الخدمة المدنية هو جزء بالنسبة إلى الحجم الإجمالي للمبيعات على منصة صيرفة. وعلى سبيل المثال، بلغ إجمالي أحجام التداول على منصة صيرفة لأشهر آذار ونيسان وأيار 1.1 مليار دولار و 1.22 مليار دولار و 2.41 مليار دولار على التوالي، وفقاً لمصرف لبنان. وفي الوقت نفسه، تراوحت تكاليف رواتب موظفي الخدمة المدنية لكل شهر من هذه الأشهر بين 33 مليون دولار و35 مليون دولار أميركي، بناء على ميزانية عام 2022 وزيادات رواتب القطاع العام منذ ذلك الحين، وذلك عند احتسابها بسعر السوق الموازية. وهذا يضع المبلغ الإجمالي الممكن للدولارات التي كان يمكن أن يشتريها الموظفون العموميون على صيرفة خلال هذه الفترة في حدود 2 إلى 3 في المئة.

وسيلة تستخدمها السلطة للإستقرار!

وبينما يعتبر هذا الدعم لموظفي القطاع العام ضئيلاً مقارنة بمدى استفادة تجار الأموال الكبار، إلّا أنه مهم بالنسبة إلى هياكل السلطة السائدة والاستقرار الاجتماعي. فقد شكل التضخم وانخفاض قيمة رواتب القطاع العام القائمة على الليرة، تهديداً مباشراً للطبقة السياسية ما قوّض شبكات المحسوبية الواسعة التي سعت الى التغلغل في جميع أنحاء الخدمة المدنية للحفاظ على سلطتها على مجتمعاتها الطائفية. وأقرّت الحكومة زيادة رواتب القطاع العام إثر الاضطرابات التي شهدتها الدولة من الإضرابات الجماعية في الخدمة المدنية للمطالبة بتحسين الأجور، وقد عطّلت الخدمات العامة لأكثر من عام، واحتجّ موظفو الخدمة المدنية المتقاعدون بانتظام خارج السراي الكبير من أجل زيادة المعاشات التقاعدية وترك حوالي 5000 من أفراد الجيش اللبناني الخدمة دون إذن منذ العام 2019. وأدت ميزانية 2022 التي تم تمريرها في أواخر العام الماضي، إلى مضاعفة دخل موظفي الحكومة على أساس الليرة ثلاث مرات تقريباً، تليها مكافأة مؤقتة أخرى صادرة بموجب مرسوم مجلس الوزراء في نيسان. وهذا يعادل أربعة أضعاف رواتب الموظفين مقارنة بـ1 كانون الأول 2020. وقد أدى ذلك إلى زيادة الإنفاق الحكومي الشهري على الرواتب من 1.1 تريليون ليرة لبنانية إلى 3.7-3.9 تريليونات ليرة لبنانية، أي ما يعادل ما بين 33 و35 مليون دولار شهرياً بسعر السوق الموازية البالغ 94 ألف ليرة لبنانية/دولار. إن القدرة على سحب الرواتب بالدولار بسعر صيرفة تدعم الرواتب الحكومية بشكل أكبر، ما يساعد على الحفاظ على العقد الاجتماعي القائم بين قادة الطوائف السياسية وناخبيهم. وبالتالي، تشكل صيرفة وسيلة أخرى دبّرتها النخبة اللبنانية لمواصلة سرقة الخزينة العامة مع إطعام السكان الفتات (الفول السوداني)!

نشر موقع البديل (الترناتيف) تقريراً عن “صيرفة” أكّد فيه أن منصّة صيرفة الإلكترونية تشكّل الوسيلة الأساسية التي يتدخل بها مصرف لبنان، في سوق العملات في البلاد، إذ عندما تنهار قيمة الليرة فإن صيرفة هي الطريقة التي ينقضّ بها مصرف لبنان لإنقاذ الموقف، ويضخّ بالسوق الدولار الأميركي لتثبيت سعر الصرف و”إنقاذ الشعب من المزيد من التضخم والمصاعب”. تلك هي الرواية التي يسردها البنك المركزي ويسعى الى أن نصدّقها وقد يكون من الصعب إثبات عدم صوابها وكشف حقيقتها في ظل الغموض الذي يعمل المركزي تحت غطائه حول كيفية استخدام منصة صيرفة، إلا أن المؤشرات المتاحة تشير إلى قصة مختلفة. فمنذ بداية عام 2022، أعلن مصرف لبنان عن عدة إعلانات تدخّلات في سوق العملات باستخدام صيرفة، كانت لها تأثيرات محدودة على سعر الصرف باستثناء آخرها في آذار 2023. وفي الواقع، يبدو أن أكبر وظيفة لصيرفة هي دعم البنوك والمستوردين والشركات والأثرياء، من خلال بيعهم الدولار بفرق كبير مقارنة بسعر الصرف في السوق الموازية ثم السماح لهم بجني الأرباح من المراجحة (arbitrage) ويبدو أن هذا الأمر يشكل حال معظم الأموال المتداولة على المنصّة. وجاء في التقرير أيضاً ما يلي:

التقرير: كيف يُغرق الليرة ثم يثبتها؟

مع انهيار قيمة الليرة منذ العام 2019 وما نتج عنه من انهيار الرواتب، حصل تفكك في شبكات المحسوبية التي كانت النخبة السياسية تحافظ عليها من خلال القطاع العام. وبينما يسمح مصرف لبنان لموظفي الخدمة المدنية بسحب رواتبهم بالدولار وفق سعر صيرفة، فهو يظهر أيضاً بدور الداعم لهؤلاء العمال الموظفين؛ إلّا أنه وفي حين أن المبالغ المتداولة لهذا الغرض على المنصّة هي جزئية بالنسبة إلى حجم الصفقات المالية الواسعة النطاق، إلّا أنها توفّر درجة ما من الراحة لموظفي الخدمة العامة، وقد تكون ساهمت في الحؤول دون اضطرابات أكبر من تلك التي تشهدها البلاد فعلياً، الأمر الذي يساعد النخب السياسية على الحفاظ على بعض شعبيتها بين دوائرها الانتخابية.

خلال شهري نيسان وأيار، استقرّ السعر الموازي لصرف الدولار مقابل الليرة بين 97,000 و94,000، ويشير ذلك ظاهرياً، الى أنها خطوة ناجحة من قبل مصرف لبنان للسيطرة على الليرة المتقلّبة. وجاءت هذه الفترة من الهدوء النسبي بعد أن أعلن البنك المركزي أنه سيبدأ بيع كمية غير محدودة من الدولارات لدعم الليرة بعد انخفاض حاد في قيمتها في آذار عندما وصل سعر صرف الدولار الى 141 ألف ليرة. عندها، ضخّ البنك المركزي باعتماد الطريقة ذاتها، الدولارات في الاقتصاد اللبناني، على الرغم من أن تدخّلاته السابقة في هذا السياق قد شهدت نجاحاً أقلّ نسبياً مقارنة مع أحدثها. وبالتالي، ينبغي اعتبار صيرفة “أداة نقدية ضعيفة وغير فعّالة”، كما أشار البنك الدولي في تقرير صدر مؤخراً، مع وجود ارتباط عام منخفض بين تدخّلات المركزي وسعر الصرف.

نسبة الأرباح للمحظوظين بمتوسط 21%

أنشأ البنك المركزي منصة الدفع الإلكتروني، صيرفة، داخلياً في العام 2020 ووسّع نطاقها بين شهري أيار وآب 2021، وألزم البنوك التجارية بإجراء معاملاتها بالعملات الأجنبية حصرياً على صيرفة. كما تم منح كبار الصرافين والمستوردين وغيرهم من العملاء ذوي الثروات العالية إمكانية الوصول الى المنصة وكذلك موظفي القطاع العام. وعلى الرغم من ذلك، لا تزال هوية الكيانات والأفراد الذين لديهم إمكانية الولوج الى المنصّة غير واضحة بسبب الغموض الذي يغلف به مصرف لبنان عمليات الصيرفة. وكان من بين أهداف تأسيس صيرفة، حصر تداول العملات على منصة رسمية واحدة وتنظيم السوق حيث كانت المضاربة والتلاعب المتفشيان فيه يحدثان تقلّبات حادة في أسعار الصرف. وأغرى المركزي اللاعبين التجاريين بالمشاركة في المنصة بأن عمد الى تحديد مستمرّ لسعر الصرف على صيرفة بفرق كبير مقارنة بالسوق الموازية ومبالغاً في قيمة الليرة، ليجعل المنصة السوق المفضلة لشراء الدولار الأميركي الرخيص، بمعدل خصم 21% في المتوسط تاريخياً. هذا التبادل التفضيلي يثني أي طرف، بخلاف مصرف لبنان، عن بيع الدولار على المنصة، وبالتالي كما يخلص البنك الدولي، يمكننا أن نفترض أن البنك المركزي هو البائع الوحيد للعملة الأجنبية على صيرفة.

طبع الليرة ثم إستخدامها للمضاربة

ومع ذلك، التزم مصرف لبنان الصمت بشأن مصدر حصوله على الدولارات التي يعرضها للبيع والتي يعتقد أنها مزيج من الدولارات التي اشتراها من السوق الموازية، واحتياطاته من النقد الأجنبي، مع حصة الأسد من الكوكتيل تأتي من الأولى. وللمثال على ذلك، آخر تدخّل للبنك المركزي وهو السادس منذ بداية العام 2022، الذي بدأه في 21 آذار 2023. وفي نيسان، بلغ إجمالي حجم الدولارات المتداولة عبر صيرفة 1.22 مليار دولار أميركي لكن في موازاة ذلك، انخفضت احتياطيات المركزي من النقد الأجنبي بمقدار 127 مليون دولار فقط، ما يطرح السؤال حول مصدر الـ1.09 مليار دولار الأخرى؟ فالليرة قد انهارت قبل تدخّل مصرف لبنان مباشرة، ويشير البنك الدولي إلى أن البنك المركزي نفسه هو المحرّك للسوق، حيث يستخدم الليرة التي يطبعها لشراء كميات ضخمة من الدولارات من السوق الموازية، وبالتالي خفض سعر صرف الليرة مؤقتاً. ويمكن ملاحظة ذلك في حجم الليرة المتداولة الذي ارتفع من 67 تريليون ليرة إلى 83 تريليوناً بين 15 كانون الأول و28 شباط، بزيادة قدرها 24 في المئة في ستة أسابيع فقط. وشهد تدخل المركزي الأخير عبر صيرفة، على بيع الدولارات مقابل الليرة بخسارة، لإعادة امتصاص العملة المحلية المطبوعة الزائدة من السوق ودفع الكتلة النقدية المتداولة بالليرة إلى الانخفاض بسرعة مرة أخرى إلى 67 تريليوناً بحلول نيسان. ووصف مسؤول كبير في أحد أكبر المصارف التجارية في لبنان، متحدثاً الى ALTERNATIVE (البديل) شرط عدم الكشف عن هويته، أنها ديناميكية يستخدم فيها مصرف لبنان في الواقع احتياطاته من النقد الأجنبي لتغطية الفرق بين سعر السوق السوداء وسعر بيع الدولار على منصة صيرفة.

إن هذه الدورة، التي يقوم بها مصرف لبنان بأن يشتري الدولارات من السوق ويبيعها بخسارة على صيرفة، غير مستدامة بطبيعتها. وتمثل صيرفة الوسيلة التي يحاول عبرها البنك المركزي والحكومة شراء الوقت ولكن بأموال الجميع، بينما يفشلون في معالجة القضايا النظامية الخطيرة التي أدّت إلى الأزمة المالية وزيادة إفقار الناس. إن منصة صيرفة ليست أداة غير فعّالة للسياسة النقدية فحسب، بل هي عملية نقل منسّقة أخرى للثروة من الخزانة العامة إلى النخبة، بينما تعمل أيضاً على الحفاظ على السلطة السائدة في البلد.

حصة الموظفين تكاد لا تذكر

وفقاً للبنك الدولي، حقّقت “صيرفة” منذ إنشائها أكثر من 2.5 مليار دولار من المراجحة (arbitrage) لأولئك المسموح لهم باستخدام المنصة، البنوك والمستوردين والشركات الكبرى، من بين آخرين. وهذا لا يشمل المبلغ الذي استفاد منه موظفو الخدمة المدنية من خلال تمكينهم من سحب رواتبهم بالدولار بسعر صيرفة. ويصعب تحديد مقدار استفادة موظفي الخدمة المدنية بالضبط، بالنظر إلى أن مختلف فروع الحكومة، والمستويات المختلفة من الموظفين داخل تلك الفروع، قادرة على سحب رواتبها بأسعار صرف مختلفة من صيرفة. ومع ذلك، وبالنظر إلى الأرقام التراكمية، فمن الواضح أن المبلغ الذي يمكن أن يستفيد منه موظفو الخدمة المدنية هو جزء بالنسبة إلى الحجم الإجمالي للمبيعات على منصة صيرفة. وعلى سبيل المثال، بلغ إجمالي أحجام التداول على منصة صيرفة لأشهر آذار ونيسان وأيار 1.1 مليار دولار و 1.22 مليار دولار و 2.41 مليار دولار على التوالي، وفقاً لمصرف لبنان. وفي الوقت نفسه، تراوحت تكاليف رواتب موظفي الخدمة المدنية لكل شهر من هذه الأشهر بين 33 مليون دولار و35 مليون دولار أميركي، بناء على ميزانية عام 2022 وزيادات رواتب القطاع العام منذ ذلك الحين، وذلك عند احتسابها بسعر السوق الموازية. وهذا يضع المبلغ الإجمالي الممكن للدولارات التي كان يمكن أن يشتريها الموظفون العموميون على صيرفة خلال هذه الفترة في حدود 2 إلى 3 في المئة.

وسيلة تستخدمها السلطة للإستقرار!

وبينما يعتبر هذا الدعم لموظفي القطاع العام ضئيلاً مقارنة بمدى استفادة تجار الأموال الكبار، إلّا أنه مهم بالنسبة إلى هياكل السلطة السائدة والاستقرار الاجتماعي. فقد شكل التضخم وانخفاض قيمة رواتب القطاع العام القائمة على الليرة، تهديداً مباشراً للطبقة السياسية ما قوّض شبكات المحسوبية الواسعة التي سعت الى التغلغل في جميع أنحاء الخدمة المدنية للحفاظ على سلطتها على مجتمعاتها الطائفية. وأقرّت الحكومة زيادة رواتب القطاع العام إثر الاضطرابات التي شهدتها الدولة من الإضرابات الجماعية في الخدمة المدنية للمطالبة بتحسين الأجور، وقد عطّلت الخدمات العامة لأكثر من عام، واحتجّ موظفو الخدمة المدنية المتقاعدون بانتظام خارج السراي الكبير من أجل زيادة المعاشات التقاعدية وترك حوالي 5000 من أفراد الجيش اللبناني الخدمة دون إذن منذ العام 2019. وأدت ميزانية 2022 التي تم تمريرها في أواخر العام الماضي، إلى مضاعفة دخل موظفي الحكومة على أساس الليرة ثلاث مرات تقريباً، تليها مكافأة مؤقتة أخرى صادرة بموجب مرسوم مجلس الوزراء في نيسان. وهذا يعادل أربعة أضعاف رواتب الموظفين مقارنة بـ1 كانون الأول 2020. وقد أدى ذلك إلى زيادة الإنفاق الحكومي الشهري على الرواتب من 1.1 تريليون ليرة لبنانية إلى 3.7-3.9 تريليونات ليرة لبنانية، أي ما يعادل ما بين 33 و35 مليون دولار شهرياً بسعر السوق الموازية البالغ 94 ألف ليرة لبنانية/دولار. إن القدرة على سحب الرواتب بالدولار بسعر صيرفة تدعم الرواتب الحكومية بشكل أكبر، ما يساعد على الحفاظ على العقد الاجتماعي القائم بين قادة الطوائف السياسية وناخبيهم. وبالتالي، تشكل صيرفة وسيلة أخرى دبّرتها النخبة اللبنانية لمواصلة سرقة الخزينة العامة مع إطعام السكان الفتات (الفول السوداني)!

Continue Reading
Click to comment

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مصارف

Credit Libanais enables Google Pay on all its MasterCardand Visa cards issued through its platform, thus empowering secure, seamless and contactless payments on Andriod and Wear OS devices.

Published

on

Credit Libanais is proud to announce the official launch ofGoogle Pay, the globally trusted mobile payment solution, now available to all its cardholderswhether carrying a MasterCard or a Visa card, customers can now enjoy the convenience of secure, contactless payments using their Android smartphones and Wear OS devices – anytime, anywhere.

Through the Google Wallet App, Credit Libanais customers can easily add their cards and start   transacting immediately in-store, online, or within mobile applications, both locally and internationally. Google pay brings a frictionless user experience paired with powerful security layers, including tokenization encryption, and biometric authentication, ensuring each payment is fast, safe and private.  .

At Credit Libanais, digital transformation is more than a goal – it’s a commitment to deliver real value to our customers, anytime, anywhere. With Google Pay, we are not simply enabling a payment feature; we are building a digital bridge that connects every customer to the future of finance, regardless of card type or location. This step reflects our mission to empower lives through accessible technology, convenient services, and secure banking environment tailored for today’s evolving needs,” said Mrs. Randa Bdeir, Deputy General Manager and Head of Electronic Payment Solutions and Cards Technology at Credit LibanaisBy integrating Google Pay across both MasterCard and Visa portfolios, Credit Libanais offers customers true freedom of choice and seamless flexibility making digital payments more accessible and paying through their Android phones offering users a seamless experience at millions of merchants worldwide or online. The availability of Google Pay for both MasterCard and Visa cards confirms our promise to bring global technology closer to our local users – securely and instantly.”

Mrs. Bdeir added: “Bringing Google Pay to our MasterCard and Visa portfolio is a step toward a truly mobile-first future reinforcing our commitment to advancing the future of payment in Lebanon and the region.

Why Google Pay? Why Now?

Lebanon is on the hub of a digital payment revolution since it has now 5.3 million users representing 91.6% penetration , with smartphone adoption reaching over 80% and growing demand for frictionless solutions and cashless options, Credit Libanais is meeting consumers where they areon their phones, in the moment, and ready to tap.

With Google Pay, users benefit from:

• Speed & Simplicity: One-tap checkout in-store, online, and in apps.

• Top-Tier Security: Built-in tokenization replaces card numbers with encrypted codes via a dynamic mode that changes with every transaction, ensuring sensitive information stays protected.

• Global Convenience: Accepted wherever contactless payments are available – from Beirut to Berlin.

Getting Started Is Easy

Customers simply need to:

1. Download or open the Google Wallet app on their Android device.

2. Tap “Add to Wallet” and follow the simple steps.

3. Start paying with their phone – no need to carry a physical card.

This launch is part of Credit Libanais’ broader vision to offer cutting-edge digital banking solutions that keep pace with global innovation while remaining deeply rooted in customer-centricity.

Continue Reading

مصارف

مصر تفرض أضخم غرامة في تاريخها على بنك إماراتي

Published

on

فرض البنك المركزي المصري غرامة مالية قياسية بلغت مليار جنيه (21 مليون دولار) على بنك أبو ظبي الأول مصر.

وإضافةً إلى الغرامة، التي تُعدّ الأكبر في تاريخ القطاع المصرفي المصري، قرر المركزي إقالة رئيس قطاع مخاطر الائتمان في البنك، بحسب مصدرين مطلعين تحدثا لـ “الشرق” شرط عدم الكشف عن هويتهما.

وأفاد أحد المصدرين وفقا لوكالة “بلومبرغ” أن عدة بنوك أخرى — من بينها بنك الكويت الوطني – مصر — تعرّضت أيضًا لغرامات أصغر، بلغت في حالة “الكويت الوطني” نحو 170 مليون جنيه، على خلفية مخالفات مشابهة.

وأشار إلى أن إقالات إضافية قد تطال قيادات أخرى في “أبوظبي الأول مصر” خلال الفترة المقبلة.

“بلتون القابضة” أصدرت بيانًا عبر البورصة المصرية أكدت فيه قوة ملاءتها المالية والتزامها الكامل بالقوانين، مشيرة إلى أن “حق الرد مكفول للبنوك” بشأن قرارات المركزي.

و”بنك أبوظبي الأول مصر” قال إنه “يلتزم بكافة القوانين واللوائح الصادرة عن البنك المركزي”، ويعمل على “أعلى معايير الحوكمة والرقابة”، لكنه “لا يعلق على أي معاملات تخص عملاءه”، تماشيًا مع سياسات السرية المصرفية.

كما وصف إقالة رئيس مخاطر الائتمان بأنها جزء من “استراتيجيته للنمو المستدام وتحسين الكفاءة التشغيلية”.

في مذكرة بحثية للمستثمرين، حذّرت شركة الأهلي فاروس من أن الغرامة — رغم أنها لم تُفرض على “بلتون” مباشرة — تمثّل إشارة واضحة إلى تشديد الرقابة من قبل البنك المركزي، ما قد:

  • يُصعّد من صعوبة حصول “بلتون” على تمويلات جديدة على المدى القصير،
  • يُقيّد خططها التوسعية (العضوية وغير العضوية) في السوق المصرية.

وتوقعت المذكرة هبوط سهم “بلتون” بنسبة لا تقل عن 10%، ودعت المستثمرين إلى “تقليص انكشافهم على السهم حتى تتضح الصورة بالكامل”.

وبالفعل، انخفض سهم “بلتون” بنسبة 4.15% عند الساعة 11:38 بتوقيت القاهرة، ليصل إلى 3 جنيهات، متصدرًا قائمة أعلى قيم التداولات في البورصة.

وتُعد “بلتون” من كبرى المؤسسات المالية في مصر، وتضم 18 شركة تعمل في الاستثمار، إدارة الأصول، الأوراق المالية، وتغطية الاكتتابات.

  • بلغت محفظة قروضها 22.4 مليار جنيه حتى 30 يونيو 2025.
  • جمعت الشركة 20 مليار جنيه من المساهمين عبر بورصة مصر على مرحلتين (آخرها يوليو 2023)، واجهت خلالها شكاوى من صغار المساهمين بسبب تأخر ظهور الأسهم، ما دفع الهيئة العامة للرقابة المالية للتدخل لضمان حقوقهم.
  • في 2022، استحوذت مجموعة شيميرا الإماراتية على 56% من أسهم “بلتون” مقابل 385 مليون جنيه، بسعر 1.485 جنيه للسهم، بينما يتداول السهم حاليًّا عند 3.13 جنيه.
  • يأتي هذا القرار في إطار حملة موسعة يشنها البنك المركزي المصري لضمان توجيه التسهيلات الائتمانية لأغراضها المصرح بها، ومواجهة أي استخدامات غير مشروعة أو مخالفة للسياسات النقدية، خاصة في ظل التحديات الاقتصادية التي تمر بها البلاد.

ويبقى السؤال الأهم: هل تمثّل هذه الخطوة بداية موجة تصحيح في سلوك المؤسسات المالية، أم أنها ستفاقم أزمة السيولة في سوق يعاني أصلاً من تقلص التمويل؟.

يعد بنك أبوظبي الأول مصر، التابع لمجموعة بنك أبوظبي الأول، ثالث أكبر البنوك الأجنبية العاملة في مصر، عقب دمج أصول بنك عوده مصر.

وتتوزع فروع البنك، البالغ عددها 72 فرعاً، في مختلف أنحاء جمهورية مصر العربية.

ويعد بنك أبوظبي الأول أكبر بنك في دولة الإمارات العربية المتحدة وأحد أكبر وأأمن المؤسسات المالية في العالم.

وتتوزع شبكة فروعه في خمس قارات، يقدم من خلالها علاقاته الدولية، وخبراته الواسعة وقوته المالية لدعم الشركات المحلية والإقليمية والدولية التي تسعى لإدارة أعمالها محلياً وعالمياً.

 ويتمتع بنك أبوظبي الأول بتصنيف Aa3 وAA- وAA- من وكالات موديز، وستاندرد آند بورز، وفيتش على التوالي، ما يجعله يحظى بأقوى تصنيف مجمّع للبنوك في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

وحصل بنك أبوظبي الأول على تصنيف البنك الأكبر والأكثر أماناً في دولة الإمارات العربية المتحدة ومنطقة الشرق الأوسط.

Continue Reading

مصارف

استعدادات مصرفية في أبو ظبي لإبرام صفقات غير مسبوقة

Published

on

يبحث اثنان من أكبر البنوك التجارية في أبو ظبي الدخول إلى سوق “نقل المخاطر الكبيرة”، حيث تواجه المصارف في الإمارات متطلبات رأسمالية أعلى.

يدرس اثنان من أكبر البنوك التجارية في أبو ظبي الدخول إلى سوق “نقل المخاطر الكبيرة، إذ يواجه المقرضون (المصارف) في الإمارات متطلبات رأسمالية أعلى.

ووفقا لأشخاص مطلعين، أجرى كل من “بنك أبوظبي الأول” و”بنك أبوظبي التجاري” محادثات مع مستشارين متخصصين في مثل هذه المعاملات. وأوضحت المصادر أن الاستعدادات لا تزال في مراحلها المبكرة، وأن أي صفقات محتملة ستخضع للحصول على الموافقات التنظيمية.

وتمثل عمليات نقل المخاطر الكبيرة، التي يشار إليها غالبا باسم “نقل المخاطر الاصطناعي”، وسيلة للبنوك لتحويل مخاطر التخلف عن سداد القروض.

وتتيح هذه المعاملات، التي غالبا ما تكون مصممة على شكل سندات مرتبطة بالائتمان، للبنوك تعزيز نسب ملاءتها المالية وتقليل اعتمادها على خيارات أقل جاذبية للمساهمين مثل إصدار أسهم جديدة أو خفض توزيعات الأرباح، كما تزيد من هامشها المتاح لمنح قروض جديدة أو القيام بعمليات استحواذ أو توزيعات للمساهمين.

ووفقا لـ”الرابطة الدولية لمديري محافظ الائتمان”، بلغت القروض المرتبطة بصفقات “نقل المخاطر الاصطناعي” نحو 700 مليار يورو بنهاية العام الماضي، 97% منها من مصارف أوروبية وأمريكية.

Continue Reading

exclusive

arArabic