Connect with us

مجتمع

بنت الأصول: حين يُجلد الجسد وتُحاكم الحياة

Published

on

أ.د ماريز يونس
حين تنتهي من قراءة “بنت الأصول” لجورج معلولي، لا تخرج منها كما دخلت. فهي ليست مجرد رواية عن فتاة مجهولة النسب تُدعى ناديا، بل صدمة أدبية – اجتماعية تضع القارئ في مواجهة مرآته الأخلاقية، وتعيد طرح سؤال شديد القسوة: من نصّب المجتمع قاضياً أعلى للأخلاق، ومن منحه هذا الحق لجلد الضعفاء؟ ناديا، في سردها، ليست شخصية روائية بقدر ما هي نموذج حيّ لكل من سقط عليه عنف الوصمة، وعاش حياة كاملة يدافع فيها عن حقه في الوجود، لا لأنه اقترف ذنباً، بل لأنه وُلد خارج “الشرعية” التي قرّرها الآخرون.
يحضر بقوة في هذه الرواية مفهوم “الوصمة” كما صاغه إرفينغ غوفمان، الذي اعتبر أن المجتمع يُنتج الهويات المرفوضة عبر تصنيف الأفراد بناءً على صفات يعتبرها غير مقبولة أو مشينة، ثم يعيد إنتاج هذا الرفض اجتماعياً ونفسياً. ناديا في “بنت الأصول” تعيش هذا الجرح من لحظة إدراكها لاختلافها البيولوجي، حين وُصفت بأنها “بنت حرام”. هذه العبارة، في ظاهرها حكم أخلاقي، لكنها في جوهرها إعلان عن طرد رمزي من دائرة الانتماء، وفرض هوية مشروخة عليها طوال حياتها.
الوصمة هنا ليست سلوكًا فرديًا، بل نظام متكامل من التصورات والممارسات. المجتمع لا يعاقب ناديا لأنها سيئة، بل لأنها لا تناسب نموذج النقاء الذي يريد أن يراه في المرأة، تحديداً في جسدها، وفي نسبها، وفي صمتها. فالنظام الاجتماعي القائم على “المعايير المقبولة للهوية” ، يُخضع الفرد ويعاقبه إذا لم ينطبق عليه النموذج. وهكذا، تجد ناديا نفسها محاصرة بين نظرة المجتمع وبين حاجتها لأن تحيا ببساطة دون تفسير دائم لوجودها.
الرواية تُبرز التناقض الصارخ بين ما يُقال عن الشرف وما يُمارس باسمه. ناديا تتعرض للاستغلال، وللإقصاء من أفراد ينتمون إلى ذات المجتمع الذي يتغنى بالشرف، بينما يتغاضى عن جرائم حقيقية ترتكبها ذات السلطة الأخلاقية المزعومة. هذا ما تسميه نانسي فريزر بـ “الازدواجية المؤسساتية”، حيث يتم استخدام قيم كالكرامة والعفة لقمع فئات معينة، في حين يُعفى أصحاب النفوذ من أي محاسبة.
القسوة التي تعرضت لها ناديا، من المحيطين بها، تكشف كيف يمكن للمجتمع أن يصنع قبحه في أبسط تفاصيله اليومية. عبارة مثل “يلعن الساعة اللي جبناك من الميتم”، لا تأتي فقط من عاطفة مضطربة، بل من بنية ثقافية ترى في الطفل المُتبنّى مشروع نقص، لا مشروع إنسان. إنها الثقافة التي تشترط الولادة في حضن شرعي كي تمنح الكرامة، والتي ترى الحب المشروط أفضل من العدل المطلق.
هنا تُبين الرواية سيكولوجيا متناقضة: الأهل يحبون ناديا، لكنهم في لحظة انفعال أو حرج اجتماعي يُسقطون عليها كل عقدهم. إنها ليست فقط ضحية جهل المجتمع، بل ضحية هشاشة الحب الذي يُشترط له صك شرعي. وهنا يتجلى العنف الرمزي بمختلف صوره المباشرة وغير المباشرة، فيتتسلل عبر اللغة، والنظرة، والصمت، والاتهام الضمني.
وما يُعمّق من جمالية الرواية ويفجّر بعدها الإنساني، ليس فقط شخصية ناديا بحدّ ذاتها، بل عدسة الراوي – أمير، الذي لم يكن شقيقها في الدم، لكنه كان الشاهد الأقرب على نزيفها. هو ليس مجرد راوٍ يحكي قصتها، بل هو الذي احتضنها من الطفولة حتى الانهيار، وتحمّل موجات غضبها القاسي، ذلك الغضب الذي لم يكن موجهًا ضده شخصيًا بقدر ما كان صدى لسنوات من الشعور بالرفض والتشكيك والوحدة. أمير، بهذا المعنى، لا يروي فقط من الخارج، بل من الداخل المتشظي، من موقع المحبّ الذي أُقصي، ثم عاد، ثم أعاد تشكيل علاقته معها على أساس الفهم لا المطالبة، وعلى أساس الحنان لا المطابقة.
تشير دراسات العلاقة بين الأخوة غير البيولوجيين إلى ما يُعرف بـ”الانتماء العاطفي البديل”، وهو شكل من أشكال الارتباط الذي لا يقوم على رابطة الدم بل على الامتصاص الطويل للألم المشترك. أمير لم يكن شقيق ناديا في الهوية الوراثية، لكنه كان مستوعب جروحها، وحامل روايتها التي لم تكتبها، ولم تُفصح عنها، لأنه الوحيد الذي قرأ وراء كلماتها الجارحة، وعرف أن قسوتها لم تكن سوى شكلٍ متطرّف من الدفاع عن النفس أو ما يعرف بـ”عدوان النجاة”، حين تؤذي كي لا تُؤذى أو حين تصرخ لتمنع السقوط.
الرواية تُظهر كيف يمكن للإنسان أن يتحول إلى جلاد ذاته. ناديا في تراكُم صدماتها وفشلها العاطفي، خاصة في زواجيها، تتحول أحيانًا إلى شخصية فظة، لئيمة، هجومية، لا تميّز بين من أحبها ومن خذلها، كأنها ألغت منطقة التدرّج بين العدوّ والصديق. وهذا السلوك مألوف في في مسار الصدمات النفسية والاجتماعية، فيحدث نوعا من “التشويش العاطفي ما بعد الإقصاء”، حيث تصبح كل العلاقات مشبوهة في عين الضحية، وكل اقتراب يبدو محاولة للهيمنة، وكل محبة مشروع خيانة مؤجلة.
وأمير، على الرغم من كل هذه الانفعالات المتفجّرة، لم يتراجع. ظلّ الشقيق الذي لم تنجبه الأم، لكنه وُلد من وجع ناديا نفسه. ولأنه لم يكن يُطالبها بأي شكل من الامتنان، بل فقط بالصمود، أصبح وحده الإنسان الذي ارتاحت إليه في النهاية. كأنها أعادت ترتيب من يستحق البقاء حولها ليس على أساس النسب، بل على أساس من وقف معها وهي تسقط، ولم يغادر حين طردته بالكلمات. وهنا يتحول أمير، لا إلى راوٍ فقط، بل إلى شاهدٍ ومشاركٍ وصاحب قضية – الرواية، في النهاية، هي روايته أيضًا، لأنه اختار أن يحمل وجعها بدلًا منها، حين لم تعد تملك لغة لتشرحه.
وهذا ما يجعل من بنت الأصول عملًا مزدوج الطبقة: رواية عن معذَّبة، ورواية عن من أحبها رغم كل محاولاتها لرفض الحب. وكأن الرسالة الأعمق في النص، أن الانتماء الحقيقي لا يُصاغ بالدم، بل بالتماس الحميم مع هشاشة الآخر، والقدرة على البقاء رغم الجراح المفتوحة.
بنت الأصول، لا تحاكي الضحية فقط، بل تكشف زيف البطولة الاجتماعية. تُظهر كيف يمكن للمجتمع أن يرفع شعارات العدل على منصات الولاءات والانتماءات الطائفية، لكنه لا يملك عدالة لناديا. هذا هو التناقض الذي يُحيل القيم إلى أدوات سلطوية، والشرف إلى فخ يُنصب للضعفاء فقط.
تطرح الرواية في جوهرها سؤالًا أبعد من لبنان، وأقسى من الميتم: من يقرر من نكون؟ وهل يمكن أن ننجو بذاتنا حين تُصبح الهويات عبئًا لا نملك التخلص منه، والنجاة مشروعًا فرديًا محفوفًا بالخذلان؟ ناديا ليست فقط بطلة، بل هي مرايا ممزقة نحملها كلنا، ونخاف النظر فيها. إنها تُعرّي كل تلك اللحظات التي انحزنا فيها للعرف بدلًا من العدل، والتي صمتنا فيها أمام إهانة لأننا لم نكن نحن المستهدفين. إنها تضعنا أمام مسؤولية إعادة تعريف من نحن، وكيف نمنح القيمة، ولمن. وفي هذا، ربما، تبدأ أولى خطوات التحرر من مجتمعات نمت على جلد الضحية، وارتاحت في حضن الوصمة وبنت شرعيتها بتمجيد الجلاد.

Continue Reading
Click to comment

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

مجتمع

يان صادر عن آل ناصرالدين

Published

on

بقلوبٍ دامية، وعيونٍ لا تكفّ عن البكاء، ووجدانٍ ما زال يرفض التصديق، سبق ونعينا إلى الوطن، إلى الإنسان، إلى الضمير، فلذة كبدنا، ابننا الشاب المغدور سالم الذي أُرديَ برصاصةٍ غادرة اخترقت صدره النابض بالحياة، وقضت على روحه التي لم تعرف يوماً إلا الخير، والكرامة، وخدمة الناس.
لقد خُطف من بيننا شابٌ استثنائي، لم يكن كغيره، فقد جعل من وجعه جسراً يعبر عليه الفقراء نحو العلاج، ومن جيبه الملآن بالنية الطيبة صيدليةً للمرضى الذين أغلقت الأبواب في وجوههم. لم يكن يتقن فن التمييز، ولا يعترف بجدران الطوائف والمذاهب، بل كان يرى الناس بعينٍ واحدة.. عين الإنسانية.
كان يجوب القرى، القريبة والبعيدة، يوزّع الدواء، ويطبطب على أوجاع البؤساء، ويجمع التبرعات لتأمين أسرّة المستشفيات لمن لا سند لهم إلا الله. لم يكن يعمل في الظل، بل كان ضوءًا في ليل الحاجة، ورفيقًا في درب اليأس، وممرّضاً بروح ملاك.
وها هو اليوم يُقتل بدمٍ بارد، وتُنتزع من بيننا زهرةٌ في ربيعها، من دون أن نعلم بعد من اغتال هذا النور، ومن أمر بموته، أو تواطأ على إسكات صوته الذي لم يعرف إلا الدعاء والبذل.

إنّنا، نحن عائلته ناصرالدين المكلومة، نُعلن بوضوح لا لبس فيه:
نرفض رفضاً قاطعاً أن يكون دم ابننا فتنة بين قرانا، أو وقوداً لنزاعٍ لا يشبه حياته ولا رسالته. لن نسمح لأحد أن يتخذ من مصابنا منصةً للثأر أو الاستثمار أو التحريض. لقد كان ابننا صوت محبة، ولن نرضى أن يُستبدل صداه بنداء كراهية.
وفي الوقت عينه، نرفض أن تُميّع القضية، أو يُغلق الملف تحت ذرائع باطلة أو حسابات ضيقة. إنّ دم سالم أمانة في رقاب الجميع، ولن نتهاون في المطالبة بالحقيقة، ولن نقبل إلا بعدالة كاملة، لا تأخذها في الحق لومة لائم.
نُخاطب المعنيين، وأصحاب القرار، وكل من في موقع مسؤولية. لا تجربوا صبرنا. إننا نؤمن بالدولة، وبالقضاء، وبسيادة القانون، وسنقف حيث يجب أن نقف، ولكن على الدولة أن تقف أيضاً حيث يجب، وتحمي دماء أبنائنا من أن تُهدر أو تُنسى.
دم ابننا ليس تفصيلاً، ولا رقماً في سجل. إنّه حياةٌ خُطفت، وحقٌ يجب أن يُعاد. ننتظر كلمة التحقيق، ونترقّب عدالةً نأمل ان لا تتأخر، وان لا ترتجف أمام نفوذٍ أو سطوة.

ليعلم الجميع لم ولن ندفن مع سالم الحقيقة. هذا بياننا الاول وللحديث بقية.

الرحمة لروحه، والعدل لوطنٍ لا قيام له إن ضاعت فيه دماء الأبرياء.

ال ناصرالدين
القماطية

Continue Reading

مجتمع

شركة IDM ووزارة الشؤون الاجتماعية تطلقان مبادرة “إنترنت للكلّ”

Published

on

أطلقت شركة IDM، بالتعاون مع وزارة الشؤون الاجتماعية، مبادرة “إنترنت للكلّ” لتوفير خدمات الإنترنت المنخفضة الكلفة للأشخاص ذوي الإعاقة.
انعقد الاحتفال في وزارة الشؤون الاجتماعية في بيروت يوم الثلاثاء الواقع في 10 حزيران 2025 برعاية وحضور السيدة حنين السيد وزيرة الشؤون الاجتماعية، والسيد مارون شمّاس رئيس مجلس إدارة شركة IDM ، والسيدة رنا زخّور، المديرة العامة لشركة IDM، إضافة إلى كبار الموظفين في وزارة الشؤون الاجتماعية وكوادر وممثلين عن شركة. IDM وقد حضر كذلك ممثلون عن الجمعيات الأهلية، وفعاليات اجتماعية، وحشد من الإعلاميين وممثلي وسائل الإعلام في لبنان.
في هذه المناسبة، ألقت السيدة حنين السيد، وزيرة الشؤون الاجتماعية، كلمة اعتبرت فيها أنّ الوزارة تعتمد رؤية حقوقية جديدة لقضايا الأشخاص ذوي الإعاقة، تقوم على الانتقال من الدعم التقليدي إلى التمكين الفعلي، وإزالة كافة الحواجز التي تعيق مشاركتهم في المجتمع. وشرحت أنّ الوزارة باشرت بخطوات عديدة في هذا الاتجاه، أبرزها إعادة انتخاب الهيئة الوطنية لشؤون الأشخاص ذوي الإعاقة، وتطوير برنامج البدل النقدي ليشمل أكثر من 20 ألف مستفيد، بالإضافة إلى تعزيز الوصول إلى الخدمات الصحية، كما وضمان المشاركة السياسية. وشددت الوزيرة السيد على أهمية الإدماج الرقمي، معتبرة إيّاه ضرورة أساسية لتحقيق العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص. واختتمت الوزيرة كلمتها بشكر شركة IDM على هذه المبادرة المهمة، مؤكدةً استمرار التزام الوزارة ببناء لبنان أكثر عدالةً وإنصافًا وشمولاً لجميع أبنائه.
من جهته، ألقى السيد مارون شمّاس، رئيس مجلس إدارة شركة IDM ، كلمة شدّد فيها على “التزام الشركة الراسخ بتأمين إنترنت سريع وشرعي وبأسعار تنافسية لجميع المواطنين.” وشرح أنّه، “منذ بدايات الشركة في التسعينيات، كانت إتاحة الإنترنت للجميع في صلب رؤيتها ومهمّتها”. واعتبر شمّاس أنّ “الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة يملكون دورًا فاعلًا في بناء الوطن، مهما كانت التحديات التي يواجهونها. كما وأنّ وصولهم الكامل إلى الإنترنت هو واجب وطني، خصوصًا في عصر الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا اللذان يساعدان الأفراد على تخطّي الصعوبات.” وأوضح أنّ “الدولة لا يمكنها أن تقدّم خدمات فعليّة من دون إنترنت سريع ومتاح للجميع.” وأضاف شمّاس أنّ خدمة الانترنت السريعة عبر الألياف البصرية ليست فقط للأفراد ذوي الاحتياجات الخاصة بل لكلّ مواطن لبناني.” واختتم كلامه بالتشديد على أنّ “توسيع هذه الخدمة لا يمكن أن يتمّ من دون تنفيذ شامل لشبكة الألياف البصرية، ولا سيما في المناطق التي ما زالت تعاني من غياب هذه البنية التحتية.” وأكّد على التزام IDM بهذه المبادرة كخطوة نحو مجتمع أكثر شمولاً وعدالة.”
تشكّل خدمة “انترنت للكلّ” الجديدة خطوة سبّاقة في لبنان، إذ إنها من اهم المبادرات التي تهدف إلى توفير خدمات الإنترنت للأشخاص ذوي الإعاقة. تشمل الخدمة الجديدة خيارات متعددة تتناسب مع احتياجات مختلف المستخدمين. كما أنّ المشتركين سيحصلون على الشهر الأول من الخدمة مجاناً، مع إجراءات التفعيل والتشغيل كاملةً دون أي تكلفة إضافية، بالإضافة إلى تقديم مودم لاسلكي مجاني، ودعم تقني متخصص على مدار الساعة وباقات اشتراك شهريّة مخفّضة.
إنّ هذا العرض الجديد متاح للأشخاص ذوي الإعاقة عبر تقديم طلب الاشتراك مرفق بنسخة عن بطاقة الإعاقة (الصالحة) الصادرة عن وزارة الشؤون الاجتماعية، مع الإشارة إلى أن صلاحية العرض تمتد حتى نهاية العام 2025. كما وستتعاون شركة IDM مع الوزارة لتنظيم حملات توعية مشتركة لتعريف الأفراد بكافة تفاصيل المبادرة وآلية الاستفادة منها. للاشتراك بهذا العرض، يمكن الاتصال بشركة IDM على الرقم 1282 أو زيارة الموقع الإلكتروني الخاص بها.

نبذة عن شركة IDM: تُعد شركة IDM من أوائل مزوّدي خدمات الإنترنت في لبنان، حيث تأسست عام 1995 وأسهمت في إدخال أحدث تقنيات الاتصال الرقمي السلكي واللاسلكي إلى السوق المحلي. وقد استحصلت الشركة على كافة التراخيص اللازمة من وزارة الاتصالات، حيث تغطي خدماتها كافة الأراضي اللبنانية. وتتميّز IDM بتقديم حلول متطورة تشمل الإنترنت السريع ADSL عبر خطوط الهاتف الأرضي بسرعات تتراوح ما بين 4 و50 ميغابت/ثانية، وخدمة VDSL بسرعات تتراوح ما بين 40 و100 ميغابت/ثانية، وخدمة الألياف الضوئية FIBER بسرعات تصل إلى 300 ميغابت/ثانية في المناطق المجهزة، بالإضافة إلى حلول مخصصة للشركات والمرافق العامة. تلتزم الشركة بتقديم خدمة إنترنت موثوقة وآمنة ودعم فني متواصل على مدار الساعة لخدمة زبائنها من الشركات والأفراد.

Continue Reading

مجتمع

ايليان فغالي: توقفّي عن تسميم بشرتكِ دون أن تدري!

Published

on

في زمنٍ باتت فيه المواد الكيميائية تحيط بنا في تفاصيل حياتنا اليومية، من مستحضرات التجميل إلى أدوات التنظيف، برزت حاجة ملحّة إلى إعادة النظر في ما نستخدمه على أجسادنا وفي منازلنا.

ومن هذا الوعي، انطلق مشروع استثنائي تقوده الأخصائية في التنمية المستدامة وعالمة السموم إيليان فغالي، التي تجمع بين خلفية علمية رصينة وتجربة شخصية دفعتها إلى الابتكار، فابتكرت خطاً من المنتجات الطبيعية والعضوية، الخالية تمامًا من أي مكونات قد تضرّ بالبشرة أو تلوّث البيئة.

بفضل عملها السابق في نقابة فرنسية تربط بين الدولة وشركات التجميل، اكتسبت ايليان معرفة عميقة بتأثير هذه المستحضرات على الصحة العامة والنظام البيئي. وقد دفعتها معاناتها الشخصية مع بشرتها الحساسة إلى بحثٍ دؤوب وتجارب علمية متواصلة، حتى توصّلت إلى تركيبات فعّالة وآمنة أثبتت نجاحها على أرض الواقع، خصوصًا في السوق الفرنسية، حيث لاقت استحسانًا واسعًا.

مشروعها لا يقتصر على تصنيع منتجات، بل يحمل في جوهره رسالة واضحة: التوعية، التغيير، وتحقيق مسؤولية جماعية تجاه أجسادنا وكوكبنا.

فهو ليس مشروعًا تجاريًا فحسب، بل مبادرة بيئية وإنسانية، تنطلق من رؤية لمستقبل أنظف، أصدق، وأكثر احترامًا للإنسان والطبيعة.

إليكم هذه المقابلة مع إيليان فغالي، المرجع العلمي والتجربة الرائدة في الدفاع عن صحة الإنسان وحماية البيئة:

ما الذي دفعكِ إلى اتخاذ قرار جريء بصناعة منتجات خالية تمامًا من المواد الكيميائية؟

هذا القرار جاء نتيجة ثلاثية مترابطة: وعي علمي، تجربة شخصية، وحرص بيئي. كعالمة في مجال البيئة والسموم، لا يمكنني تجاهل التأثيرات الخفية للمواد الكيميائية على الجسم، وخصوصًا على المدى الطويل. وتجربتي الشخصية مع بشرة شديدة الحساسية جعلتني أبحث عن بديل آمن وفعّال. ومن موقعي كناشطة بيئية، أشعر بمسؤولية تجاه الأجيال القادمة في تقديم حلول تحترم الإنسان والكوكب.

ما أبرز التحديات التي واجهتِها خلال تطوير تركيبات خالية تمامًا من المواد الكيميائية؟

أصعب التحديات لم تكن فقط في تحقيق التوازن بين الأمان والفعالية، بل في إيجاد المكونات الطبيعية التي تجمع بين الفعالية القصوى، التحمل الجلدي العالي، والامتثال للمعايير مثل COSMOS. حتى التغليف شكّل تحديًا، لأننا نرفض استخدام البلاستيك والمكونات التي تحتوي على ميكروبلاستيك، ما دفعنا للبحث طويلًا عن عبوات تحترم البيئة وتحافظ على جودة المنتج في الوقت نفسه

كيف ساهمت خبرتُكِ العلمية في ضمان سلامة وفعالية منتجاتك؟

بفضل خلفيتي الأكاديمية في علوم البيئة والسموم، إلى جانب عملي كمسؤولة عن التنمية المستدامة في اتحاد صناعة مستحضرات التجميل في فرنسا (FEBEA)، أقيّم كل مكوّن بعين علمية دقيقة. أعتمد في LaTerraTales على لوائح الاتحاد الأوروبي REACH، لأضمن أن كل تركيبة آمنة، فعّالة، وخالية من أي مكون مشكوك في تأثيره الهرموني أو الصحي.

ما الخطوات التي تعتمدينها للتأكّد من أنّ التغليف لا يضرّ بالبيئة ولا يلوّث المنتجات؟

أختار تغليفًا قابلًا لإعادة التدوير أو التحلل، وأتجنّب البلاستيك والمواد التي قد تتسرّب إلى المنتج. أفضّل العبوات ذات البصمة البيئية المنخفضة، وأحرص على أن تكون قابلة لإعادة الاستخدام من قِبل المستهلك. قبل الشراء، أطلب شهادات رسمية من المورّدين للتأكّد من مطابقة المواد للمعايير البيئية والصحية.

هل لاحظتِ فروقات واضحة في تقبّل المستهلكين للمنتجات الطبيعية بين فرنسا ولبنان؟

نعم، هناك فرق كبير. في فرنسا، المستهلكون يقرؤون المكوّنات بدقّة، ويهتمون بتفاصيل مثل تأثير التغليف على البيئة. هذا الوعي جاء بعد إدراكهم لمدى خطورة المواد القاسية على صحتهم، وتأثير الملوّثات على كوكبنا.

في لبنان، الوعي بدأ يكبر، وأنا أعمل جاهدة لنشره من خلال التوعية وتقديم بدائل فعالة وآمنة لكل من بدأ يطرح الأسئلة ويبحث عن الأفضل. التغيير الحقيقي يبدأ من الوعي.

ما الآلية التي تتّبعينها لاختيار الزيوت الأساسية المستخدمة؟

أعتمد على خبرتي العلمية وبحث دقيق في علم النباتات لاختيار الزيوت، وفق فلسفة ثابتة: فعّالة، منخفضة التحسس، وحامية. لكل حالة زيوت مناسبة، لكن الأهم هو خلق توازن وانسجام بينها، لأن بعض الزيوت لا يجب خلطها، وأي تركيبة غير مدروسة قد تُضعف التأثير أو تسبب تهيّجًا.

نحن لا نضيف المكونات لمجرد الإبهار، بل نُركّز على التآزر العلمي بين الزيوت لتحقيق أقصى فعالية بأقل عدد ممكن من المكونات.

مثلًا، Tranquility Elixir يحتوي على 7 زيوت مثبتة علميًا لمحاربة التوتر، أما Prestige Oriental فهو مزيج من 10 زيوت مختارة بعناية تمنح البشرة والشعر إشراقة، ترطيبًا، ولونًا صيفيًا صحيًا — دون أي مكوّن صناعي

في عصرٍ مليء بالمغريات الكيميائية، كيف تزرعين الثقة في قلب المستهلكة تجاه منتجاتك الجديدة؟

أؤمن أن الشفافية هي الطريق الأقوى لبناء الثقة. أذكر كل مكون بكل وضوح، وأشرح فائدته ومصدره. لكن ما يجعل الثقة أعمق هو المنهجية الصارمة التي نعتمدها قبل إطلاق أي منتج: نمرّ بمرحلة طويلة من الاختبار، نصنع نماذج أولية، ونجربها على أنواع بشرة مختلفة لضمان الفعالية والتحمل.

وأنا دائمًا أول من يجرب، لأن بشرتي شديدة الحساسية وتُظهر ردود الفعل سريعًا، وهذا يعطيني مؤشرًا واضحًا على أمان التركيبة قبل حتى مشاركتها مع أي مستخدم آخر

ما الذي تعتبرينَه أخطر من المواد الكيميائية التي نضعها على بشرتنا دون وعي؟

الثقة العمياء. أن نضع ثقتنا بمنتج فقط لأنه مشهور أو باهظ الثمن من دون قراءة المكونات أو التحقق منها، هو الخطر الحقيقي. الجهل يمكن معالجته بالتوعية، لكن الثقة العمياء تجعلنا نكرر الأخطاء من دون وعي.

ما رسالتكِ للأمهات اللواتي يشترين كريمات ومنتجات لأطفالهن دون قراءة المكوّنات؟

طفلكِ أمانة، وبشرته أضعف بكثير من بشرتنا. كل ما تضعينه عليه، يمتصه جسمه. لا تثقي بأي منتج فقط لأنه “مخصّص للأطفال” أو لأن الماركة مشهورة. للأسف، حتى بعض الشركات العالمية المعروفة، بما فيها الأوروبية، تستخدم مكونات ضارة، وتُصدّر منتجات غير مطابقة لمعايير الاتحاد الأوروبي إلى بلدان مثل لبنان بسبب ضعف الرقابة.

جيلنا اليوم يعاني من اضطرابات هرمونية غير مسبوقة، من تكيّس المبايض، البلوغ المبكر، إلى انخفاض الخصوبة وكلها مرتبطة بمنتجات استُخدمت في طفولتنا من دون وعي، في زمن لم يكن فيه بحث كافٍ ولا رقابة مشددة.

أهلنا لم يكونوا يعرفون، لكن نحن اليوم نعرف. الأبحاث موجودة، والمعلومات متاحة. خيار واحد واعٍ قد يصنع فرقًا كبيرًا في صحة أطفالنا. لا تنتظري أن تكوني ضحية الندم، اقرئي، اسألي، وتأكدي.

هل تنبع حقيقة الجمال من الأمعاء؟ وكيف يسهم الشاي الذي أعددته في تنقية الوجه وتهدئة النفس؟

نعم، الأمعاء هي مرآة الجمال الداخلي. أي خلل فيها، سواء التهابات أو اضطراب الفلورا، ينعكس مباشرة على البشرة والمزاج. لذلك أطلقت شاي Glow & Gut، مزيج من 8 أعشاب عضوية مختارة بعناية، تعمل بتناغم على تنظيف الجهاز الهضمي وتهدئة الجهاز العصبي، ما يعزّز صفاء الوجه ويمنح إحساسًا داخليًا بالراحة والهدوء

ما خطّتُكِ المستقبلية لنشر التوعية؟ وهل تفكّرين بإدخال هذه المواضيع إلى المدارس أو الجامعات؟

بدأت فعليًا على وسائل التواصل الاجتماعي بفيديوهات توعوية أشرح فيها مخاطر مُضطربات الغدد الصماء، وأُعلّم الناس كيف يقرؤون لائحة المكوّنات ويتأكدون من سلامة منتجاتهم. كما أتناول مواضيع تتعلّق بصحتنا البيئية، لأنّ العناية بالصحة لا تنفصل عن العناية بالكوكب الذي نعيش فيه.

للمستقبل، لديّ مشاريع عديدة: ورش عمل، مبادرات تنموية على مستوى المناطق، وخطط مدروسة أطمح إلى تنفيذها في لبنان بالتعاون مع الجامعات، لأنني أؤمن أنّ التغيير الحقيقي يبدأ من المدرسة.

لكنّني أعلم أنّني لا أستطيع أن أُحدث التغيير وحدي، لذلك أؤمن بأن الخطوة الأولى هي بناء مجتمع واعٍ نعمل فيه معًا.

LaTerraTales هي الخطوة الأولى في هذا الطريق.

ما هي أبرز المشاريع المستقبلية التي تطمحين لتحقيقها؟

أطمح لتنظيم ورش عمل توعوية حول المنتجات التي تؤثّر سلبًا على صحتنا، مع تقديم بدائل فعالة وآمنة تعوّض الناس عن الخيارات الضارّة. كما أعمل على بناء فريق لدعم مشاريع تنمية مستدامة أُخطط لتنفيذها في لبنان، لأنني مؤمنة أن ما اكتسبته من خبرات في الخارج يجب أن يعود بالنفع على بلدي.

لبنان بحاجة لهذه الكفاءات، والمشاريع التي أحملها قابلة للتنفيذ… ما نحتاجه هو الإرادة، فريق ملتزم، وحكومة تؤمن بشعبها. بعض المشاريع تحتاج إلى شراكة مع الدولة، وآمل أن يكون هذا التعاون مثمرًا، لأن الأمل موجود، والتغيير ممكن.

Continue Reading

Trending