Connect with us

مجتمع

الشبكة الدولية لدراسة المجتمعات العربية (إيناس)مبادرة “قوتنا بوحدتنا”

Published

on


التقرير العلمي للحلقة النقاشية الأولى
كيف أصبح المدنيون أدوات الحرب الأسرائيلية الجديدة؟

نظّمت الشبكة الدولية لدراسة المجتمعات العربية (إيناس) في 25 أكتوبر 2024 أولى جلسات سلسلة النقاشات الدولية تحت عنوان “الحروب الجديدة: قراءات متقاطعة”. انطلقت الحلقة النقاشية الأولى بسؤال محوري “كيف أصبح المدنيون أدوات الحروب الإسرائيلية الجديدة؟” بمشاركة واسعة لنخبة من الباحثين/ات من العالم العربي، وذلك ضمن إطار مبادرة “قوتنا بوحدتنا”، التي أطلقتها الشبكة لتعزيز التضامن الأكاديمي والمعرفي والإنساني تجاه حرب الإبادة التي يشنها الكيان الإسرائيلي على فلسطين ولبنان والمنطقة العربية.
افتتحت الدكتورة ماريز يونس، رئيسة الشبكة ومؤسسة مبادرة “قوتنا بوحدتنا”، الحلقة النقاشية الأولى بكلمة تناولت فيها الأهداف والرسالة الأكاديمية والمعرفية والإنسانية للمبادرة. شددت يونس على أن المبادرة تمثل استجابة للمسؤولية المعرفية تجاه العدوان الاسرائيلي الشامل الذي يتعرض له العالم العربي، معتبرة أنها حربا وجودية تهدد كافة مكونات الهوية الثقافية العربية. وأكدت أن دور الأكاديميين أساسي في مواجهة هذه الحرب، لافتة إلى أهمية تجاوز الخطاب الاستهلاكي التقليدي نحو خطاب نقدي معرفي قادر على فهم الجذور والمسببات التاريخية والاجتماعية لهذا العدوان الإسرائيلي غير المسبوق وتأثيراته العميقة على المجتمعات العربية خاصة والانسانية عامة.
أدار الحلقة النقاشية الدكتور عبد الحميد عبيدي، أستاذ علم الاجتماع في جامعة قرطاج من تونس، الذي قدم الباحثين/ات المشاركين/ات، وأشار إلى أن السياق المستجد الذي تعيشه المنطقة العربية، والذي تندرج ضمنه هذه الحلقة النقاشية الأولى، يطرح ضرورة تبني التحليل المعرفي النقدي لتصاعد العنف الإسرائيلي في فلسطين ولبنان، والذي يُعد امتدادًا لمسار طويل من الاستعمار الاستيطاني. وأوضح عبيدي أن الهجمات الأخيرة لم تقتصر على عمليات القصف العشوائي فحسب، بل شملت أيضًا تهجيرًا قسريًا لأكثر من مليون شخص من سكان الجنوب اللبناني إلى الشمال، الذين يعيشون اليوم في ظروف مأساوية تفتقر إلى أبسط مقومات الحياة. وأكد أن استخدام إسرائيل لأدوات تكنولوجية متطورة، أسهم في زيادة أعداد الضحايا وتدمير البنية التحتية، معتبرا أن الصمت الدولي إزاء هذه الإبادة المستمرة ، بما في ذلك تقاعس المجتمع الدولي والحكومات العربية المجاورة، يزيد الوضع تعقيدًا ويُظهر تراجع دور هذه الجهات في إيجاد حل إنساني فاعل. واستعرض عبيدي مسؤولية الجماعة العلمية في هذا السياق، مؤكدًا أن على الباحثين/ات العرب دورًا أساسيًا في توثيق هذه الجرائم والمساهمة في بناء خطاب معرفي نقدي يحفز على تحمّل المسؤولية الأخلاقية والمهنية والمعرفية أمام هذا الوضع التاريخي الدقيق الذي تشهده المنطقة العربية.
المداخلة الأولى كانت للدكتورة ماريز يونس، رئيسة الشبكة الدولية لدراسة المجتمعات العربية من لبنان بعنوان “كيف نفهم لبنان اليوم؟”. تناولت فيها التركيبة الطائفية السياسية المعقدة، التي أصبحت لاحقًا معوقًا رئيسيًا أمام بناء دولة مدنية حديثة وفعالة. بالمقابل، وعلى الرغم من كل هذه التحديات، يظهر الشعب اللبناني مشهدا مشرقا من التضامن والتآزر، يتجلى بوضوح في فترات الحروب الكبرى، ما يبين قدرة اللبنانيين على تجاوز ولاءاتهم الطائفية واصطفافاتهم السياسية من أجل مواجهة التحديات الإنسانية. واختتمت بتساؤل حول التحديات المطروحة اليوم أمام المجتمع اللبناني لتحويل هذا التضامن العابر للطوائف إلى مشروع وطني دائم، قادر على إعادة بناء الدولة على أسس من المواطنة الحقيقية والعدالة الاجتماعية.
المداخلة الثانية للدكتور عبد اللطيف الحناشي، أستاذ تعليم عال في التاريخ المعاصر في جامعة منوبة من تونس بعنوان “العنف الصهيوني: طارئ أم متأصل في المشروع الصهيوني؟” طرح الحناشي ‏مسألة أصول العنف لدى الحركة الصهيونية كمدخل لفهم تنامي منسوب الاعتداء الإسرائيلي منذ ١٩٤٨. ‏وقد بين المحاضر أن العنف هو معطى تأسيسي لدولة إسرائيل انطلاقا من نصوص عدد من منظريها سوآءا في الحقل الديني أو في الحقل السياسي. ‏ومن هذا المنطلق لا يمكن للحركة الصهيونية المسيطرة على دولة إسرائيل أن تواصل وجودها إلا عبر الممارسة الدائمة للعنف قصد القضاء النهائي على كل من يشكل خطرا على وجودها. كما أشار الدكتور الحناشي إلى أن هذا التأصيل للعنف يحول دون بناء سلم مع الكيان الصهيوني الذي يعمل على إفشال أي حلول سلمية مثل اتفاق أوسلو.
المداخلة الثالثة قدمتها الدكتورة سناء الشامي، مسؤولة علاقات التعاون الدولي الإقتصادي- الثقافي في جمعية البندقية-الصداقة الإيطالية العربية من إيطاليا بعنوان “علاج الجذور”. موضحة أن مبادرة “قوتنا بوحدتنا” ليست مجرد شعار، بل رسالة توجه أساسًا إلى الداخل قبل الخارج، وتحث على تفعيل الإتحاد كقوة معرفية حقيقية للتغيير في مواجهة العدوان الإسرائيلي المتكرر على المنطقة العربية. فهذه الرسالة تحمل في طياتها نداءً لليقظة والتحرك نحو الداخل، إذ يجب أن نعيد بناء قوتنا من خلال التماسك الداخلي قبل الاعتماد على الدعم الخارجي، الذي أثبت عبر التاريخ أنه يسعى غالبًا لتحقيق مصالحه على حساب وحدتنا. لذا فإن هذا الشعار يحمل في عمقه رسالة نقدية تطالب بالتحرر من التبعية للسياسات الخارجية التي تستغل هشاشة النظام الطائفي. فالتاريخ يثبت بحسب الشامي أن الاعتماد على الآخرين دون بنية وطنية قوية يديم التفكك، مشددة على أهمية فهم الجذور الاستعمارية للحروب الحديثة التي ساهمت في تقسيم المنطقة جغرافيًا وسياسيًا منذ القرن العشرين، ما جعل النزاعات السياسية والطائفية متأصلة في بنية المنطقة العربية.
المداخلة الرابعة قدمها الدكتور يسري أبو شادي، خبير في الوكالة الدولية للطاقة الذرية من مصر بعنوان “التكنولوجيا النووية وتأثيرها على المدنيين في حروب الشرق الأوسط”. استعرض أبو شادي الدور المتزايد للتكنولوجيا النووية في النزاعات المعاصرة، وأشار إلى أن إسرائيل تمتلك هذه التكنولوجيا بشكل يعزز قدراتها التدميرية، وأوضح كيف يؤثر ذلك على المدنيين من خلال الاستخدام المباشر أو التهديد الضمني. وركز أبو شادي على ضرورة التفرقة بين الاستعمالات العديدة للتكنولوجيا النووية. ‏ ‏فقد بين أن استعمالاتها السلمية والنافعة للمجتمع هي أكثر عددا ووظيفة من الاستعمال العسكري لها. ‏في نفس الوقت عرج على ذكر الدول التي حاولت أن تمتلك هذه التكنولوجيا وهي العراق أولا لكن وقع إجهاض المشروع ثم إيران التي قطعت أشواطا كبيرة في هذا الاتجاه، لكنه يعتبر أن الدولة الوحيدة في الشرق الأوسط حاليا التي تمتلك هذه التكنولوجيا هي دولة إسرائيل. ‏كما أشار إلى أن إسرائيل استعملت بالضرورة صواريخ ذات رؤوس نووية في قصف مناطق من لبنان وإلا ما كنا لنرى هذه الدرجة من الدمار.
المداخلة الخامسة للدكتور جيلالي المستاري، باحث في مركز البحث في الأنثروبولوجيا الاجتماعية والثقافية- الكراسك من الجزائر بعنوان “من الطائفة إلى المجتمع أسئلة حول الفرص في زمن الحرب” سعى خلالها إلى طرح تساؤلات أساسية حول الحروب الإسرائيلية الأخيرة على غزة ولبنان، موضحا أنها لا تستهدف فقط إبادة الإنسان والمكان (بحسب البروفسور ساري حنفي)، بل تمهد، خاصة في السياق اللبناني والفلسطيني، لنزاعات طائفية تسهم في تفكيك الدول الوطنية الهشة وتحقيق استراتيجيات بناء كيانات جديدة على أسس طائفية وإثنية. وطرح سؤالا مركزيا حول إمكانية تجاوز النزعات الطائفية في ظل الحروب الإسرائيلية المتكررة، وايجاد فرص بروز بذور لوحدة وطنية تقوم على “عقد اجتماعي جديد”، ينطلق من صمود المواطنين اللبنانيين وتضامنهم الفطري والواعي في مواجهة الضربات الإسرائيلية والتشريد الجماعي. وفي إطار المقارنة، تطرق إلى التجربة العراقية بعد العدوان الأمريكي، حيث تفاقمت النزعات الطائفية، مقابل التجربة الجزائرية التي وحدت صفوفها خلال الاستعمار الفرنسي في سبيل الاستقلال. واختتم بالإشارة إلى أن تراكم تجارب لبنان، من الاستعمار إلى الحروب والنزعات الطائفية، قد يُمكّنه اليوم من بناء مسار وحدوي ومواطنية جامعة تعزز التضامن الوطني بعيدًا عن الطائفية.
اختتمت الحلقة النقاشية بمناقشات ثرية حول الأدوات النظرية والتطبيقية المطلوبة لفهم الحروب الإسرائيلية الجديدة، حيث شدد المشاركون على أهمية بناء معرفة نقدية جديدة تتجاوز المفاهيم التقليدية، والعمل على إنتاج مقاربات تؤسس لإطار معرفي شامل لفهم التحديات التي تفرضها الحروب المعاصرة على المنطقة العربية.

Continue Reading
Click to comment

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

مجتمع

يان صادر عن آل ناصرالدين

Published

on

بقلوبٍ دامية، وعيونٍ لا تكفّ عن البكاء، ووجدانٍ ما زال يرفض التصديق، سبق ونعينا إلى الوطن، إلى الإنسان، إلى الضمير، فلذة كبدنا، ابننا الشاب المغدور سالم الذي أُرديَ برصاصةٍ غادرة اخترقت صدره النابض بالحياة، وقضت على روحه التي لم تعرف يوماً إلا الخير، والكرامة، وخدمة الناس.
لقد خُطف من بيننا شابٌ استثنائي، لم يكن كغيره، فقد جعل من وجعه جسراً يعبر عليه الفقراء نحو العلاج، ومن جيبه الملآن بالنية الطيبة صيدليةً للمرضى الذين أغلقت الأبواب في وجوههم. لم يكن يتقن فن التمييز، ولا يعترف بجدران الطوائف والمذاهب، بل كان يرى الناس بعينٍ واحدة.. عين الإنسانية.
كان يجوب القرى، القريبة والبعيدة، يوزّع الدواء، ويطبطب على أوجاع البؤساء، ويجمع التبرعات لتأمين أسرّة المستشفيات لمن لا سند لهم إلا الله. لم يكن يعمل في الظل، بل كان ضوءًا في ليل الحاجة، ورفيقًا في درب اليأس، وممرّضاً بروح ملاك.
وها هو اليوم يُقتل بدمٍ بارد، وتُنتزع من بيننا زهرةٌ في ربيعها، من دون أن نعلم بعد من اغتال هذا النور، ومن أمر بموته، أو تواطأ على إسكات صوته الذي لم يعرف إلا الدعاء والبذل.

إنّنا، نحن عائلته ناصرالدين المكلومة، نُعلن بوضوح لا لبس فيه:
نرفض رفضاً قاطعاً أن يكون دم ابننا فتنة بين قرانا، أو وقوداً لنزاعٍ لا يشبه حياته ولا رسالته. لن نسمح لأحد أن يتخذ من مصابنا منصةً للثأر أو الاستثمار أو التحريض. لقد كان ابننا صوت محبة، ولن نرضى أن يُستبدل صداه بنداء كراهية.
وفي الوقت عينه، نرفض أن تُميّع القضية، أو يُغلق الملف تحت ذرائع باطلة أو حسابات ضيقة. إنّ دم سالم أمانة في رقاب الجميع، ولن نتهاون في المطالبة بالحقيقة، ولن نقبل إلا بعدالة كاملة، لا تأخذها في الحق لومة لائم.
نُخاطب المعنيين، وأصحاب القرار، وكل من في موقع مسؤولية. لا تجربوا صبرنا. إننا نؤمن بالدولة، وبالقضاء، وبسيادة القانون، وسنقف حيث يجب أن نقف، ولكن على الدولة أن تقف أيضاً حيث يجب، وتحمي دماء أبنائنا من أن تُهدر أو تُنسى.
دم ابننا ليس تفصيلاً، ولا رقماً في سجل. إنّه حياةٌ خُطفت، وحقٌ يجب أن يُعاد. ننتظر كلمة التحقيق، ونترقّب عدالةً نأمل ان لا تتأخر، وان لا ترتجف أمام نفوذٍ أو سطوة.

ليعلم الجميع لم ولن ندفن مع سالم الحقيقة. هذا بياننا الاول وللحديث بقية.

الرحمة لروحه، والعدل لوطنٍ لا قيام له إن ضاعت فيه دماء الأبرياء.

ال ناصرالدين
القماطية

Continue Reading

مجتمع

شركة IDM ووزارة الشؤون الاجتماعية تطلقان مبادرة “إنترنت للكلّ”

Published

on

أطلقت شركة IDM، بالتعاون مع وزارة الشؤون الاجتماعية، مبادرة “إنترنت للكلّ” لتوفير خدمات الإنترنت المنخفضة الكلفة للأشخاص ذوي الإعاقة.
انعقد الاحتفال في وزارة الشؤون الاجتماعية في بيروت يوم الثلاثاء الواقع في 10 حزيران 2025 برعاية وحضور السيدة حنين السيد وزيرة الشؤون الاجتماعية، والسيد مارون شمّاس رئيس مجلس إدارة شركة IDM ، والسيدة رنا زخّور، المديرة العامة لشركة IDM، إضافة إلى كبار الموظفين في وزارة الشؤون الاجتماعية وكوادر وممثلين عن شركة. IDM وقد حضر كذلك ممثلون عن الجمعيات الأهلية، وفعاليات اجتماعية، وحشد من الإعلاميين وممثلي وسائل الإعلام في لبنان.
في هذه المناسبة، ألقت السيدة حنين السيد، وزيرة الشؤون الاجتماعية، كلمة اعتبرت فيها أنّ الوزارة تعتمد رؤية حقوقية جديدة لقضايا الأشخاص ذوي الإعاقة، تقوم على الانتقال من الدعم التقليدي إلى التمكين الفعلي، وإزالة كافة الحواجز التي تعيق مشاركتهم في المجتمع. وشرحت أنّ الوزارة باشرت بخطوات عديدة في هذا الاتجاه، أبرزها إعادة انتخاب الهيئة الوطنية لشؤون الأشخاص ذوي الإعاقة، وتطوير برنامج البدل النقدي ليشمل أكثر من 20 ألف مستفيد، بالإضافة إلى تعزيز الوصول إلى الخدمات الصحية، كما وضمان المشاركة السياسية. وشددت الوزيرة السيد على أهمية الإدماج الرقمي، معتبرة إيّاه ضرورة أساسية لتحقيق العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص. واختتمت الوزيرة كلمتها بشكر شركة IDM على هذه المبادرة المهمة، مؤكدةً استمرار التزام الوزارة ببناء لبنان أكثر عدالةً وإنصافًا وشمولاً لجميع أبنائه.
من جهته، ألقى السيد مارون شمّاس، رئيس مجلس إدارة شركة IDM ، كلمة شدّد فيها على “التزام الشركة الراسخ بتأمين إنترنت سريع وشرعي وبأسعار تنافسية لجميع المواطنين.” وشرح أنّه، “منذ بدايات الشركة في التسعينيات، كانت إتاحة الإنترنت للجميع في صلب رؤيتها ومهمّتها”. واعتبر شمّاس أنّ “الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة يملكون دورًا فاعلًا في بناء الوطن، مهما كانت التحديات التي يواجهونها. كما وأنّ وصولهم الكامل إلى الإنترنت هو واجب وطني، خصوصًا في عصر الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا اللذان يساعدان الأفراد على تخطّي الصعوبات.” وأوضح أنّ “الدولة لا يمكنها أن تقدّم خدمات فعليّة من دون إنترنت سريع ومتاح للجميع.” وأضاف شمّاس أنّ خدمة الانترنت السريعة عبر الألياف البصرية ليست فقط للأفراد ذوي الاحتياجات الخاصة بل لكلّ مواطن لبناني.” واختتم كلامه بالتشديد على أنّ “توسيع هذه الخدمة لا يمكن أن يتمّ من دون تنفيذ شامل لشبكة الألياف البصرية، ولا سيما في المناطق التي ما زالت تعاني من غياب هذه البنية التحتية.” وأكّد على التزام IDM بهذه المبادرة كخطوة نحو مجتمع أكثر شمولاً وعدالة.”
تشكّل خدمة “انترنت للكلّ” الجديدة خطوة سبّاقة في لبنان، إذ إنها من اهم المبادرات التي تهدف إلى توفير خدمات الإنترنت للأشخاص ذوي الإعاقة. تشمل الخدمة الجديدة خيارات متعددة تتناسب مع احتياجات مختلف المستخدمين. كما أنّ المشتركين سيحصلون على الشهر الأول من الخدمة مجاناً، مع إجراءات التفعيل والتشغيل كاملةً دون أي تكلفة إضافية، بالإضافة إلى تقديم مودم لاسلكي مجاني، ودعم تقني متخصص على مدار الساعة وباقات اشتراك شهريّة مخفّضة.
إنّ هذا العرض الجديد متاح للأشخاص ذوي الإعاقة عبر تقديم طلب الاشتراك مرفق بنسخة عن بطاقة الإعاقة (الصالحة) الصادرة عن وزارة الشؤون الاجتماعية، مع الإشارة إلى أن صلاحية العرض تمتد حتى نهاية العام 2025. كما وستتعاون شركة IDM مع الوزارة لتنظيم حملات توعية مشتركة لتعريف الأفراد بكافة تفاصيل المبادرة وآلية الاستفادة منها. للاشتراك بهذا العرض، يمكن الاتصال بشركة IDM على الرقم 1282 أو زيارة الموقع الإلكتروني الخاص بها.

نبذة عن شركة IDM: تُعد شركة IDM من أوائل مزوّدي خدمات الإنترنت في لبنان، حيث تأسست عام 1995 وأسهمت في إدخال أحدث تقنيات الاتصال الرقمي السلكي واللاسلكي إلى السوق المحلي. وقد استحصلت الشركة على كافة التراخيص اللازمة من وزارة الاتصالات، حيث تغطي خدماتها كافة الأراضي اللبنانية. وتتميّز IDM بتقديم حلول متطورة تشمل الإنترنت السريع ADSL عبر خطوط الهاتف الأرضي بسرعات تتراوح ما بين 4 و50 ميغابت/ثانية، وخدمة VDSL بسرعات تتراوح ما بين 40 و100 ميغابت/ثانية، وخدمة الألياف الضوئية FIBER بسرعات تصل إلى 300 ميغابت/ثانية في المناطق المجهزة، بالإضافة إلى حلول مخصصة للشركات والمرافق العامة. تلتزم الشركة بتقديم خدمة إنترنت موثوقة وآمنة ودعم فني متواصل على مدار الساعة لخدمة زبائنها من الشركات والأفراد.

Continue Reading

مجتمع

بنت الأصول: حين يُجلد الجسد وتُحاكم الحياة

Published

on

أ.د ماريز يونس
حين تنتهي من قراءة “بنت الأصول” لجورج معلولي، لا تخرج منها كما دخلت. فهي ليست مجرد رواية عن فتاة مجهولة النسب تُدعى ناديا، بل صدمة أدبية – اجتماعية تضع القارئ في مواجهة مرآته الأخلاقية، وتعيد طرح سؤال شديد القسوة: من نصّب المجتمع قاضياً أعلى للأخلاق، ومن منحه هذا الحق لجلد الضعفاء؟ ناديا، في سردها، ليست شخصية روائية بقدر ما هي نموذج حيّ لكل من سقط عليه عنف الوصمة، وعاش حياة كاملة يدافع فيها عن حقه في الوجود، لا لأنه اقترف ذنباً، بل لأنه وُلد خارج “الشرعية” التي قرّرها الآخرون.
يحضر بقوة في هذه الرواية مفهوم “الوصمة” كما صاغه إرفينغ غوفمان، الذي اعتبر أن المجتمع يُنتج الهويات المرفوضة عبر تصنيف الأفراد بناءً على صفات يعتبرها غير مقبولة أو مشينة، ثم يعيد إنتاج هذا الرفض اجتماعياً ونفسياً. ناديا في “بنت الأصول” تعيش هذا الجرح من لحظة إدراكها لاختلافها البيولوجي، حين وُصفت بأنها “بنت حرام”. هذه العبارة، في ظاهرها حكم أخلاقي، لكنها في جوهرها إعلان عن طرد رمزي من دائرة الانتماء، وفرض هوية مشروخة عليها طوال حياتها.
الوصمة هنا ليست سلوكًا فرديًا، بل نظام متكامل من التصورات والممارسات. المجتمع لا يعاقب ناديا لأنها سيئة، بل لأنها لا تناسب نموذج النقاء الذي يريد أن يراه في المرأة، تحديداً في جسدها، وفي نسبها، وفي صمتها. فالنظام الاجتماعي القائم على “المعايير المقبولة للهوية” ، يُخضع الفرد ويعاقبه إذا لم ينطبق عليه النموذج. وهكذا، تجد ناديا نفسها محاصرة بين نظرة المجتمع وبين حاجتها لأن تحيا ببساطة دون تفسير دائم لوجودها.
الرواية تُبرز التناقض الصارخ بين ما يُقال عن الشرف وما يُمارس باسمه. ناديا تتعرض للاستغلال، وللإقصاء من أفراد ينتمون إلى ذات المجتمع الذي يتغنى بالشرف، بينما يتغاضى عن جرائم حقيقية ترتكبها ذات السلطة الأخلاقية المزعومة. هذا ما تسميه نانسي فريزر بـ “الازدواجية المؤسساتية”، حيث يتم استخدام قيم كالكرامة والعفة لقمع فئات معينة، في حين يُعفى أصحاب النفوذ من أي محاسبة.
القسوة التي تعرضت لها ناديا، من المحيطين بها، تكشف كيف يمكن للمجتمع أن يصنع قبحه في أبسط تفاصيله اليومية. عبارة مثل “يلعن الساعة اللي جبناك من الميتم”، لا تأتي فقط من عاطفة مضطربة، بل من بنية ثقافية ترى في الطفل المُتبنّى مشروع نقص، لا مشروع إنسان. إنها الثقافة التي تشترط الولادة في حضن شرعي كي تمنح الكرامة، والتي ترى الحب المشروط أفضل من العدل المطلق.
هنا تُبين الرواية سيكولوجيا متناقضة: الأهل يحبون ناديا، لكنهم في لحظة انفعال أو حرج اجتماعي يُسقطون عليها كل عقدهم. إنها ليست فقط ضحية جهل المجتمع، بل ضحية هشاشة الحب الذي يُشترط له صك شرعي. وهنا يتجلى العنف الرمزي بمختلف صوره المباشرة وغير المباشرة، فيتتسلل عبر اللغة، والنظرة، والصمت، والاتهام الضمني.
وما يُعمّق من جمالية الرواية ويفجّر بعدها الإنساني، ليس فقط شخصية ناديا بحدّ ذاتها، بل عدسة الراوي – أمير، الذي لم يكن شقيقها في الدم، لكنه كان الشاهد الأقرب على نزيفها. هو ليس مجرد راوٍ يحكي قصتها، بل هو الذي احتضنها من الطفولة حتى الانهيار، وتحمّل موجات غضبها القاسي، ذلك الغضب الذي لم يكن موجهًا ضده شخصيًا بقدر ما كان صدى لسنوات من الشعور بالرفض والتشكيك والوحدة. أمير، بهذا المعنى، لا يروي فقط من الخارج، بل من الداخل المتشظي، من موقع المحبّ الذي أُقصي، ثم عاد، ثم أعاد تشكيل علاقته معها على أساس الفهم لا المطالبة، وعلى أساس الحنان لا المطابقة.
تشير دراسات العلاقة بين الأخوة غير البيولوجيين إلى ما يُعرف بـ”الانتماء العاطفي البديل”، وهو شكل من أشكال الارتباط الذي لا يقوم على رابطة الدم بل على الامتصاص الطويل للألم المشترك. أمير لم يكن شقيق ناديا في الهوية الوراثية، لكنه كان مستوعب جروحها، وحامل روايتها التي لم تكتبها، ولم تُفصح عنها، لأنه الوحيد الذي قرأ وراء كلماتها الجارحة، وعرف أن قسوتها لم تكن سوى شكلٍ متطرّف من الدفاع عن النفس أو ما يعرف بـ”عدوان النجاة”، حين تؤذي كي لا تُؤذى أو حين تصرخ لتمنع السقوط.
الرواية تُظهر كيف يمكن للإنسان أن يتحول إلى جلاد ذاته. ناديا في تراكُم صدماتها وفشلها العاطفي، خاصة في زواجيها، تتحول أحيانًا إلى شخصية فظة، لئيمة، هجومية، لا تميّز بين من أحبها ومن خذلها، كأنها ألغت منطقة التدرّج بين العدوّ والصديق. وهذا السلوك مألوف في في مسار الصدمات النفسية والاجتماعية، فيحدث نوعا من “التشويش العاطفي ما بعد الإقصاء”، حيث تصبح كل العلاقات مشبوهة في عين الضحية، وكل اقتراب يبدو محاولة للهيمنة، وكل محبة مشروع خيانة مؤجلة.
وأمير، على الرغم من كل هذه الانفعالات المتفجّرة، لم يتراجع. ظلّ الشقيق الذي لم تنجبه الأم، لكنه وُلد من وجع ناديا نفسه. ولأنه لم يكن يُطالبها بأي شكل من الامتنان، بل فقط بالصمود، أصبح وحده الإنسان الذي ارتاحت إليه في النهاية. كأنها أعادت ترتيب من يستحق البقاء حولها ليس على أساس النسب، بل على أساس من وقف معها وهي تسقط، ولم يغادر حين طردته بالكلمات. وهنا يتحول أمير، لا إلى راوٍ فقط، بل إلى شاهدٍ ومشاركٍ وصاحب قضية – الرواية، في النهاية، هي روايته أيضًا، لأنه اختار أن يحمل وجعها بدلًا منها، حين لم تعد تملك لغة لتشرحه.
وهذا ما يجعل من بنت الأصول عملًا مزدوج الطبقة: رواية عن معذَّبة، ورواية عن من أحبها رغم كل محاولاتها لرفض الحب. وكأن الرسالة الأعمق في النص، أن الانتماء الحقيقي لا يُصاغ بالدم، بل بالتماس الحميم مع هشاشة الآخر، والقدرة على البقاء رغم الجراح المفتوحة.
بنت الأصول، لا تحاكي الضحية فقط، بل تكشف زيف البطولة الاجتماعية. تُظهر كيف يمكن للمجتمع أن يرفع شعارات العدل على منصات الولاءات والانتماءات الطائفية، لكنه لا يملك عدالة لناديا. هذا هو التناقض الذي يُحيل القيم إلى أدوات سلطوية، والشرف إلى فخ يُنصب للضعفاء فقط.
تطرح الرواية في جوهرها سؤالًا أبعد من لبنان، وأقسى من الميتم: من يقرر من نكون؟ وهل يمكن أن ننجو بذاتنا حين تُصبح الهويات عبئًا لا نملك التخلص منه، والنجاة مشروعًا فرديًا محفوفًا بالخذلان؟ ناديا ليست فقط بطلة، بل هي مرايا ممزقة نحملها كلنا، ونخاف النظر فيها. إنها تُعرّي كل تلك اللحظات التي انحزنا فيها للعرف بدلًا من العدل، والتي صمتنا فيها أمام إهانة لأننا لم نكن نحن المستهدفين. إنها تضعنا أمام مسؤولية إعادة تعريف من نحن، وكيف نمنح القيمة، ولمن. وفي هذا، ربما، تبدأ أولى خطوات التحرر من مجتمعات نمت على جلد الضحية، وارتاحت في حضن الوصمة وبنت شرعيتها بتمجيد الجلاد.

Continue Reading

Trending