مجتمع
مديحة رسلان المرأة : سيدة الأعمال الحاضرة في كل القطاعات الاقتصادية

تنظر سيدة الأعمال مديحة رسلان إلى العام المنصرم باسف شديد إذ تصفه بأنه أسوأ عام على الإقتصاد اللبناني وهي من موقعها كرئيسة جمعية السيدات القياديات تعتبر أن المرأة سجلت حضورها القوي في ميدان الأعمال حتى انها سجلت خرقا مهما في مجال الصناعة وبات لها دورها المهم وهي مع بداية العام تتمنى انتظام العمل السياسي واقتناص الفرصة المتاحة حاليا في ظل المتغيرات الإقليمية لبناء دولة على أسس سليمة وصحيحة.
كيف تقيمين كسيدة أعمال عام ٢٠٢٤ وما هي تطلعاتك لعام ٢٠٢٥؟
لقد كان العام ٢٠٢٤من أسوأ الأعوام الاقتصاديه على الإطلاق منذ بداية الأزمة المالية حتى الآن وعلى كل المستويات. لقد بدأت حرب الإسناد في أكتوبر من العام ٢٠٢٣ وهو العام الذي باشرنا فيه تحقيق نمو اقتصادي إذ توقعنا ارقاما جيدة الا أن حرب الإسناد ضربت المواسم كلها في كل القطاعات سواء أكانت تجارية او سياحية وكلما كانت تزيد وتيرتها كانت وتيرة التراجع الإقتصادي تزيد وقد ضاعت او انهارت كل المواسم في العام ٢٠٢٤مع العدوان الاسرائيلي على لبنان إذ توقفت كل الاستثمارات في البلاد وقد بقي القطاع الصناعي وحده يعمل نوعا ما . أما بالنسبة لتطلعاتي لعام ٢٠٢٥ فهي مستندة على تمنياتي بانتخاب رئيس للجمهورية صناعة لبنانية بدل انتظار كلمة السر من الخارج والاتكال عليه في انتظام العمل السياسي والاقتصادي. للأسف لدينا دائما هذا الشلل الذي خلقناه بأيدينا إذ اننا لا نقبل بعضنا البعض ولا نلتقي بالنتيجة على نقاط اساسية ننطلق منها لبناء دولتنا . آمل أن يكون لدينا رئيس جديد مع بداية العام ٢٠٢٥ وان نتمكن من اقتناص الفرصة الذهبية المتاحة أمامنا حاليا في ظل كل المتغيرات الإقليمية بعد سقوط نظام الأسد في سوريا وان نبني كل شيء على أسس سليمة وصحيحة. من الواجب علينا أن نحب وطننا وان يكون اولويتنا اي أن يكون هو أولا واخيرا وان نعيد على هذا الأساس بناء دولتنا المنهارة والمتحللة فيكون بلدنا جاذبا وله دوره المحوري في المنطقة وان يكون شريكا في القرارات.كما ان محورنا الطبيعي هو المحور العربي ومع التطور الحاصل في الدول العربية كما في السعودية او الإمارات وغيرها الذين سبقونا باشواط على كل الاصعدة حتى على صعيد السياحة علينا أن نقدم فرصا وان نعرض شراكات استثمارية لكي نجلب رؤوس الأموال إلى البلد وان نبني كل شيء على أسس صحيحة خالية من الفساد والاطماع الشخصية. انا أرى أن الكل سيستفيد من بناء الدولة على أسس صحيحة .
كيف لسيدة أعمال أن تنجح وتسجل حضورها القوي وسط هذا الكم الهائل من رجال الأعمال ؟
نحن في جمعية السيدات القياديات ندعو دائما المرأة ونشجعها على الإستثمار لكن إجمالا مجتمع الأعمال أصبح مختلطا بشكل تلقائي وطبيعي ويوما بعد آخر يترسخ ذلك أكثر ويصبح أمرا طبيعيا بشكل أكبر إنما تبقى أنواع الأعمال واحجامها هي المختلفة وهو ما نحاول معالجته في الجمعية . من الملاحظ أيضا أن بعض سيدات الأعمال قد انخرط في مجال الصناعة وهذا يدل على مدى خرق المرأة وإثبات وجودها في كل مجالات الأعمال التي تناسبها حسب الطلب وحسب الفرص الإستثماريه المتاحة وحسب طلب السوق اللبناني والأسواق الخارجية على خدمات ومنتجات معينة من الممكن الإستثمار بها.
كيف للمجال الذي تعملين به أن ساعدك على النجاح ؟
إجمالا الإنسان ينجح في المجال الذي يحبه إذ يكفي ان يحب عمله لكي ينجح وان يملك الشغف فيه فيتحمل كل التحديات والصعاب. انا مثلا احب الموضه وغيري من السيدات يحب الصناعة او الزراعة او غيرها فكل واحدة منا لها هواها في الإستثمار. لقد بدأت العمل في عالم الموضة والاكسسوار ثم تفرعت إلى مجالات أخرى أكثر توسعا وتنوعا لأن الأعمال بالنسبة لي ولأي سيدة أخرى هي فرص ننظر إليها بمنظار التحدي والسعي إلى مزيد من النجاح إذ من الضروري أن ينوع الإنسان باستثماراته ليس في لبنان فقط إنما في كل دول العالم فهذا أمر شائع ومن المحبذ أن ينوع الشخص بحجم الأعمال .
هل من شروط معينة للنجاح وهل للبيئة المحيطة دورها في ذلك؟
عموما النجاح لا يكون بمجهود شخصي وحيد إنما يعود لجهود فريق عمل متكامل . أن الناس الذين يحيطون بالمرء لهم دورهم المؤثر إذ يدفعونه للأمام اذا ساندوه وشجعوه. من المهم ان يحيط بالشخص الناجح مجموعة من الداعمين له سواء اكانوا اهله او عائلته او أصدقائه فهو بحاجة لمن يدعمه ويسانده ويهتم به ويحرص على نجاحه بشكل شفاف وحميم.
هل نجاح سيدة الأعمال يكون عموما على حساب حياتها الشخصية وكيف توفق بين الاثنين؟
أن سيدة الأعمال الناجحة تعرف كيف تدير وقتها وكيف توفق بين أولويات حياتها الشخصية والمهنيةواذا اختل التوازن بينهما فستدخل في الكثير من السلبيات . من المهم إذن أن تنظم اولوياتها وهذا أمر غير سهل لكن معرفة إدارة الوقت هو العامل الفاصل وأهم عنصر مؤثر مما يخلق التوازن المطلوب في حياة سيدة الأعمال فتستطيع بالنتيجة أن توفق ما بين واجباتها تجاه عائلتها وتجاه ذاتها على الصعيد النفسي والصحي إلى جانب علاقاتها الإجتماعية .
ما مدى أهمية الهيئات الاقتصادية في حياة سيدات الأعمال وما هو الدور الذي تلعبه على هذا الصعيد؟
أن الهيئات الاقتصادية مفيدة جدا لمجتمعات عالم الأعمال من حيث تبادل الخبرات والاطلاع على كل جديد بالإضافة إلى مشاركة الخبرات وهذه المشاركة هي أمر صحي لا سيما في كيفية مواجهة التحديات ومعالجتها . اننا في الجمعية نتشاور ونعالج الكثير من التحديات مع الزملاء في بيئة الهيئات الاقتصاديه وهي للمناسبة قديمة العهد وتضم كل القطاعات الإقتصادية في البلاد . انا اعتبر ذلك بمثابة دعم وطني يحمي أصحاب العمل والعمال الذين يشكلون معا فريق عمل واحد خصوصا في بيئة الأعمال اللبنانية المعروفة بأنها شديدة الاضطراب ومعرضة دائما لازمات مفاجئة ولهذا اعتبر بيئة الهيئات الاقتصاديه هي المكان الطبيعي لمعالجة هذه الأمور فتتحقق مصلحة أصحاب العمل والعمال فتبقى أعمالهم قائمة ومستمرة ومستدامة لكي نصل إلى بر الأمان الاقتصادي في لبنان فنحقق بيئة حاضنة جاذبة للإستثمار وللاستمرارية في عالم الاقتصاد اللبناني.

مجتمع
يان صادر عن آل ناصرالدين

بقلوبٍ دامية، وعيونٍ لا تكفّ عن البكاء، ووجدانٍ ما زال يرفض التصديق، سبق ونعينا إلى الوطن، إلى الإنسان، إلى الضمير، فلذة كبدنا، ابننا الشاب المغدور سالم الذي أُرديَ برصاصةٍ غادرة اخترقت صدره النابض بالحياة، وقضت على روحه التي لم تعرف يوماً إلا الخير، والكرامة، وخدمة الناس.
لقد خُطف من بيننا شابٌ استثنائي، لم يكن كغيره، فقد جعل من وجعه جسراً يعبر عليه الفقراء نحو العلاج، ومن جيبه الملآن بالنية الطيبة صيدليةً للمرضى الذين أغلقت الأبواب في وجوههم. لم يكن يتقن فن التمييز، ولا يعترف بجدران الطوائف والمذاهب، بل كان يرى الناس بعينٍ واحدة.. عين الإنسانية.
كان يجوب القرى، القريبة والبعيدة، يوزّع الدواء، ويطبطب على أوجاع البؤساء، ويجمع التبرعات لتأمين أسرّة المستشفيات لمن لا سند لهم إلا الله. لم يكن يعمل في الظل، بل كان ضوءًا في ليل الحاجة، ورفيقًا في درب اليأس، وممرّضاً بروح ملاك.
وها هو اليوم يُقتل بدمٍ بارد، وتُنتزع من بيننا زهرةٌ في ربيعها، من دون أن نعلم بعد من اغتال هذا النور، ومن أمر بموته، أو تواطأ على إسكات صوته الذي لم يعرف إلا الدعاء والبذل.
إنّنا، نحن عائلته ناصرالدين المكلومة، نُعلن بوضوح لا لبس فيه:
نرفض رفضاً قاطعاً أن يكون دم ابننا فتنة بين قرانا، أو وقوداً لنزاعٍ لا يشبه حياته ولا رسالته. لن نسمح لأحد أن يتخذ من مصابنا منصةً للثأر أو الاستثمار أو التحريض. لقد كان ابننا صوت محبة، ولن نرضى أن يُستبدل صداه بنداء كراهية.
وفي الوقت عينه، نرفض أن تُميّع القضية، أو يُغلق الملف تحت ذرائع باطلة أو حسابات ضيقة. إنّ دم سالم أمانة في رقاب الجميع، ولن نتهاون في المطالبة بالحقيقة، ولن نقبل إلا بعدالة كاملة، لا تأخذها في الحق لومة لائم.
نُخاطب المعنيين، وأصحاب القرار، وكل من في موقع مسؤولية. لا تجربوا صبرنا. إننا نؤمن بالدولة، وبالقضاء، وبسيادة القانون، وسنقف حيث يجب أن نقف، ولكن على الدولة أن تقف أيضاً حيث يجب، وتحمي دماء أبنائنا من أن تُهدر أو تُنسى.
دم ابننا ليس تفصيلاً، ولا رقماً في سجل. إنّه حياةٌ خُطفت، وحقٌ يجب أن يُعاد. ننتظر كلمة التحقيق، ونترقّب عدالةً نأمل ان لا تتأخر، وان لا ترتجف أمام نفوذٍ أو سطوة.
ليعلم الجميع لم ولن ندفن مع سالم الحقيقة. هذا بياننا الاول وللحديث بقية.
الرحمة لروحه، والعدل لوطنٍ لا قيام له إن ضاعت فيه دماء الأبرياء.
ال ناصرالدين
القماطية
مجتمع
شركة IDM ووزارة الشؤون الاجتماعية تطلقان مبادرة “إنترنت للكلّ”

أطلقت شركة IDM، بالتعاون مع وزارة الشؤون الاجتماعية، مبادرة “إنترنت للكلّ” لتوفير خدمات الإنترنت المنخفضة الكلفة للأشخاص ذوي الإعاقة.
انعقد الاحتفال في وزارة الشؤون الاجتماعية في بيروت يوم الثلاثاء الواقع في 10 حزيران 2025 برعاية وحضور السيدة حنين السيد وزيرة الشؤون الاجتماعية، والسيد مارون شمّاس رئيس مجلس إدارة شركة IDM ، والسيدة رنا زخّور، المديرة العامة لشركة IDM، إضافة إلى كبار الموظفين في وزارة الشؤون الاجتماعية وكوادر وممثلين عن شركة. IDM وقد حضر كذلك ممثلون عن الجمعيات الأهلية، وفعاليات اجتماعية، وحشد من الإعلاميين وممثلي وسائل الإعلام في لبنان.
في هذه المناسبة، ألقت السيدة حنين السيد، وزيرة الشؤون الاجتماعية، كلمة اعتبرت فيها أنّ الوزارة تعتمد رؤية حقوقية جديدة لقضايا الأشخاص ذوي الإعاقة، تقوم على الانتقال من الدعم التقليدي إلى التمكين الفعلي، وإزالة كافة الحواجز التي تعيق مشاركتهم في المجتمع. وشرحت أنّ الوزارة باشرت بخطوات عديدة في هذا الاتجاه، أبرزها إعادة انتخاب الهيئة الوطنية لشؤون الأشخاص ذوي الإعاقة، وتطوير برنامج البدل النقدي ليشمل أكثر من 20 ألف مستفيد، بالإضافة إلى تعزيز الوصول إلى الخدمات الصحية، كما وضمان المشاركة السياسية. وشددت الوزيرة السيد على أهمية الإدماج الرقمي، معتبرة إيّاه ضرورة أساسية لتحقيق العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص. واختتمت الوزيرة كلمتها بشكر شركة IDM على هذه المبادرة المهمة، مؤكدةً استمرار التزام الوزارة ببناء لبنان أكثر عدالةً وإنصافًا وشمولاً لجميع أبنائه.
من جهته، ألقى السيد مارون شمّاس، رئيس مجلس إدارة شركة IDM ، كلمة شدّد فيها على “التزام الشركة الراسخ بتأمين إنترنت سريع وشرعي وبأسعار تنافسية لجميع المواطنين.” وشرح أنّه، “منذ بدايات الشركة في التسعينيات، كانت إتاحة الإنترنت للجميع في صلب رؤيتها ومهمّتها”. واعتبر شمّاس أنّ “الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة يملكون دورًا فاعلًا في بناء الوطن، مهما كانت التحديات التي يواجهونها. كما وأنّ وصولهم الكامل إلى الإنترنت هو واجب وطني، خصوصًا في عصر الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا اللذان يساعدان الأفراد على تخطّي الصعوبات.” وأوضح أنّ “الدولة لا يمكنها أن تقدّم خدمات فعليّة من دون إنترنت سريع ومتاح للجميع.” وأضاف شمّاس أنّ خدمة الانترنت السريعة عبر الألياف البصرية ليست فقط للأفراد ذوي الاحتياجات الخاصة بل لكلّ مواطن لبناني.” واختتم كلامه بالتشديد على أنّ “توسيع هذه الخدمة لا يمكن أن يتمّ من دون تنفيذ شامل لشبكة الألياف البصرية، ولا سيما في المناطق التي ما زالت تعاني من غياب هذه البنية التحتية.” وأكّد على التزام IDM بهذه المبادرة كخطوة نحو مجتمع أكثر شمولاً وعدالة.”
تشكّل خدمة “انترنت للكلّ” الجديدة خطوة سبّاقة في لبنان، إذ إنها من اهم المبادرات التي تهدف إلى توفير خدمات الإنترنت للأشخاص ذوي الإعاقة. تشمل الخدمة الجديدة خيارات متعددة تتناسب مع احتياجات مختلف المستخدمين. كما أنّ المشتركين سيحصلون على الشهر الأول من الخدمة مجاناً، مع إجراءات التفعيل والتشغيل كاملةً دون أي تكلفة إضافية، بالإضافة إلى تقديم مودم لاسلكي مجاني، ودعم تقني متخصص على مدار الساعة وباقات اشتراك شهريّة مخفّضة.
إنّ هذا العرض الجديد متاح للأشخاص ذوي الإعاقة عبر تقديم طلب الاشتراك مرفق بنسخة عن بطاقة الإعاقة (الصالحة) الصادرة عن وزارة الشؤون الاجتماعية، مع الإشارة إلى أن صلاحية العرض تمتد حتى نهاية العام 2025. كما وستتعاون شركة IDM مع الوزارة لتنظيم حملات توعية مشتركة لتعريف الأفراد بكافة تفاصيل المبادرة وآلية الاستفادة منها. للاشتراك بهذا العرض، يمكن الاتصال بشركة IDM على الرقم 1282 أو زيارة الموقع الإلكتروني الخاص بها.
نبذة عن شركة IDM: تُعد شركة IDM من أوائل مزوّدي خدمات الإنترنت في لبنان، حيث تأسست عام 1995 وأسهمت في إدخال أحدث تقنيات الاتصال الرقمي السلكي واللاسلكي إلى السوق المحلي. وقد استحصلت الشركة على كافة التراخيص اللازمة من وزارة الاتصالات، حيث تغطي خدماتها كافة الأراضي اللبنانية. وتتميّز IDM بتقديم حلول متطورة تشمل الإنترنت السريع ADSL عبر خطوط الهاتف الأرضي بسرعات تتراوح ما بين 4 و50 ميغابت/ثانية، وخدمة VDSL بسرعات تتراوح ما بين 40 و100 ميغابت/ثانية، وخدمة الألياف الضوئية FIBER بسرعات تصل إلى 300 ميغابت/ثانية في المناطق المجهزة، بالإضافة إلى حلول مخصصة للشركات والمرافق العامة. تلتزم الشركة بتقديم خدمة إنترنت موثوقة وآمنة ودعم فني متواصل على مدار الساعة لخدمة زبائنها من الشركات والأفراد.



مجتمع
بنت الأصول: حين يُجلد الجسد وتُحاكم الحياة

أ.د ماريز يونس
حين تنتهي من قراءة “بنت الأصول” لجورج معلولي، لا تخرج منها كما دخلت. فهي ليست مجرد رواية عن فتاة مجهولة النسب تُدعى ناديا، بل صدمة أدبية – اجتماعية تضع القارئ في مواجهة مرآته الأخلاقية، وتعيد طرح سؤال شديد القسوة: من نصّب المجتمع قاضياً أعلى للأخلاق، ومن منحه هذا الحق لجلد الضعفاء؟ ناديا، في سردها، ليست شخصية روائية بقدر ما هي نموذج حيّ لكل من سقط عليه عنف الوصمة، وعاش حياة كاملة يدافع فيها عن حقه في الوجود، لا لأنه اقترف ذنباً، بل لأنه وُلد خارج “الشرعية” التي قرّرها الآخرون.
يحضر بقوة في هذه الرواية مفهوم “الوصمة” كما صاغه إرفينغ غوفمان، الذي اعتبر أن المجتمع يُنتج الهويات المرفوضة عبر تصنيف الأفراد بناءً على صفات يعتبرها غير مقبولة أو مشينة، ثم يعيد إنتاج هذا الرفض اجتماعياً ونفسياً. ناديا في “بنت الأصول” تعيش هذا الجرح من لحظة إدراكها لاختلافها البيولوجي، حين وُصفت بأنها “بنت حرام”. هذه العبارة، في ظاهرها حكم أخلاقي، لكنها في جوهرها إعلان عن طرد رمزي من دائرة الانتماء، وفرض هوية مشروخة عليها طوال حياتها.
الوصمة هنا ليست سلوكًا فرديًا، بل نظام متكامل من التصورات والممارسات. المجتمع لا يعاقب ناديا لأنها سيئة، بل لأنها لا تناسب نموذج النقاء الذي يريد أن يراه في المرأة، تحديداً في جسدها، وفي نسبها، وفي صمتها. فالنظام الاجتماعي القائم على “المعايير المقبولة للهوية” ، يُخضع الفرد ويعاقبه إذا لم ينطبق عليه النموذج. وهكذا، تجد ناديا نفسها محاصرة بين نظرة المجتمع وبين حاجتها لأن تحيا ببساطة دون تفسير دائم لوجودها.
الرواية تُبرز التناقض الصارخ بين ما يُقال عن الشرف وما يُمارس باسمه. ناديا تتعرض للاستغلال، وللإقصاء من أفراد ينتمون إلى ذات المجتمع الذي يتغنى بالشرف، بينما يتغاضى عن جرائم حقيقية ترتكبها ذات السلطة الأخلاقية المزعومة. هذا ما تسميه نانسي فريزر بـ “الازدواجية المؤسساتية”، حيث يتم استخدام قيم كالكرامة والعفة لقمع فئات معينة، في حين يُعفى أصحاب النفوذ من أي محاسبة.
القسوة التي تعرضت لها ناديا، من المحيطين بها، تكشف كيف يمكن للمجتمع أن يصنع قبحه في أبسط تفاصيله اليومية. عبارة مثل “يلعن الساعة اللي جبناك من الميتم”، لا تأتي فقط من عاطفة مضطربة، بل من بنية ثقافية ترى في الطفل المُتبنّى مشروع نقص، لا مشروع إنسان. إنها الثقافة التي تشترط الولادة في حضن شرعي كي تمنح الكرامة، والتي ترى الحب المشروط أفضل من العدل المطلق.
هنا تُبين الرواية سيكولوجيا متناقضة: الأهل يحبون ناديا، لكنهم في لحظة انفعال أو حرج اجتماعي يُسقطون عليها كل عقدهم. إنها ليست فقط ضحية جهل المجتمع، بل ضحية هشاشة الحب الذي يُشترط له صك شرعي. وهنا يتجلى العنف الرمزي بمختلف صوره المباشرة وغير المباشرة، فيتتسلل عبر اللغة، والنظرة، والصمت، والاتهام الضمني.
وما يُعمّق من جمالية الرواية ويفجّر بعدها الإنساني، ليس فقط شخصية ناديا بحدّ ذاتها، بل عدسة الراوي – أمير، الذي لم يكن شقيقها في الدم، لكنه كان الشاهد الأقرب على نزيفها. هو ليس مجرد راوٍ يحكي قصتها، بل هو الذي احتضنها من الطفولة حتى الانهيار، وتحمّل موجات غضبها القاسي، ذلك الغضب الذي لم يكن موجهًا ضده شخصيًا بقدر ما كان صدى لسنوات من الشعور بالرفض والتشكيك والوحدة. أمير، بهذا المعنى، لا يروي فقط من الخارج، بل من الداخل المتشظي، من موقع المحبّ الذي أُقصي، ثم عاد، ثم أعاد تشكيل علاقته معها على أساس الفهم لا المطالبة، وعلى أساس الحنان لا المطابقة.
تشير دراسات العلاقة بين الأخوة غير البيولوجيين إلى ما يُعرف بـ”الانتماء العاطفي البديل”، وهو شكل من أشكال الارتباط الذي لا يقوم على رابطة الدم بل على الامتصاص الطويل للألم المشترك. أمير لم يكن شقيق ناديا في الهوية الوراثية، لكنه كان مستوعب جروحها، وحامل روايتها التي لم تكتبها، ولم تُفصح عنها، لأنه الوحيد الذي قرأ وراء كلماتها الجارحة، وعرف أن قسوتها لم تكن سوى شكلٍ متطرّف من الدفاع عن النفس أو ما يعرف بـ”عدوان النجاة”، حين تؤذي كي لا تُؤذى أو حين تصرخ لتمنع السقوط.
الرواية تُظهر كيف يمكن للإنسان أن يتحول إلى جلاد ذاته. ناديا في تراكُم صدماتها وفشلها العاطفي، خاصة في زواجيها، تتحول أحيانًا إلى شخصية فظة، لئيمة، هجومية، لا تميّز بين من أحبها ومن خذلها، كأنها ألغت منطقة التدرّج بين العدوّ والصديق. وهذا السلوك مألوف في في مسار الصدمات النفسية والاجتماعية، فيحدث نوعا من “التشويش العاطفي ما بعد الإقصاء”، حيث تصبح كل العلاقات مشبوهة في عين الضحية، وكل اقتراب يبدو محاولة للهيمنة، وكل محبة مشروع خيانة مؤجلة.
وأمير، على الرغم من كل هذه الانفعالات المتفجّرة، لم يتراجع. ظلّ الشقيق الذي لم تنجبه الأم، لكنه وُلد من وجع ناديا نفسه. ولأنه لم يكن يُطالبها بأي شكل من الامتنان، بل فقط بالصمود، أصبح وحده الإنسان الذي ارتاحت إليه في النهاية. كأنها أعادت ترتيب من يستحق البقاء حولها ليس على أساس النسب، بل على أساس من وقف معها وهي تسقط، ولم يغادر حين طردته بالكلمات. وهنا يتحول أمير، لا إلى راوٍ فقط، بل إلى شاهدٍ ومشاركٍ وصاحب قضية – الرواية، في النهاية، هي روايته أيضًا، لأنه اختار أن يحمل وجعها بدلًا منها، حين لم تعد تملك لغة لتشرحه.
وهذا ما يجعل من بنت الأصول عملًا مزدوج الطبقة: رواية عن معذَّبة، ورواية عن من أحبها رغم كل محاولاتها لرفض الحب. وكأن الرسالة الأعمق في النص، أن الانتماء الحقيقي لا يُصاغ بالدم، بل بالتماس الحميم مع هشاشة الآخر، والقدرة على البقاء رغم الجراح المفتوحة.
بنت الأصول، لا تحاكي الضحية فقط، بل تكشف زيف البطولة الاجتماعية. تُظهر كيف يمكن للمجتمع أن يرفع شعارات العدل على منصات الولاءات والانتماءات الطائفية، لكنه لا يملك عدالة لناديا. هذا هو التناقض الذي يُحيل القيم إلى أدوات سلطوية، والشرف إلى فخ يُنصب للضعفاء فقط.
تطرح الرواية في جوهرها سؤالًا أبعد من لبنان، وأقسى من الميتم: من يقرر من نكون؟ وهل يمكن أن ننجو بذاتنا حين تُصبح الهويات عبئًا لا نملك التخلص منه، والنجاة مشروعًا فرديًا محفوفًا بالخذلان؟ ناديا ليست فقط بطلة، بل هي مرايا ممزقة نحملها كلنا، ونخاف النظر فيها. إنها تُعرّي كل تلك اللحظات التي انحزنا فيها للعرف بدلًا من العدل، والتي صمتنا فيها أمام إهانة لأننا لم نكن نحن المستهدفين. إنها تضعنا أمام مسؤولية إعادة تعريف من نحن، وكيف نمنح القيمة، ولمن. وفي هذا، ربما، تبدأ أولى خطوات التحرر من مجتمعات نمت على جلد الضحية، وارتاحت في حضن الوصمة وبنت شرعيتها بتمجيد الجلاد.

-
Uncategorized6 months ago
“Wink Transfer” from Credit Libanais:Pioneering the future of Digital Transfers
-
مجتمع5 months ago
AXA Middle East Board of Directors’ Meeting:Joseph Nasnas appointment to the post of General Manager AXA Middle EastAXA Group reaffirms its confidence in AXA Middle East and its role in Lebanon’s economic future.
-
مجتمع4 months ago
المايسترو”: طموحي أن أكون رقم واحد في الوطن العربي في عالم الأعمال
-
قطاع عام6 months ago
لقاء لقطاع التأمين…واستذكار ايلي نسناس
-
محليات4 months ago
كلام لافت عن “القوات”.. هذا ما قاله “قبلان”
-
فن6 months ago
بعد نجاحها الباهر في التمثيل والغناء… هذه هي الجائزة التي حصلت عليها ماريلين نعمان في الموريكس دور!
-
محليات4 months ago
حفل تأبين الدكتور حسن علي يونس
-
محليات4 months ago
نائب يكشف: نادم لأنني سميت نواف سلام